للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرق بينهما فقال: في عدم صلاة الجنازة الأمر فيها واسع، فإنها لم تتمحض صلاة على ما ذكرنا أنها دعاء من وجه، فانحطت رتبتها ودرجتها عن رتبة المكتوبة ودرجتها، فأما عند مشايخنا فكلتاهما سواء، والجواب فيهما أنهما تجوزان، فإن تعمدوا ذلك فإنهم يستقبلون الصلاة عليها كما في المكتوبة؛ لأنها في وجوب استقبال القبلة كسائر الصلوات.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : ولا بأس بالإذن في صلاة الجنازة هكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في بعض النسخ ولا بأس بالأذان في صلاة الجماعة فإن كان الصحيح لا بأس بالإذن في صلاة الجنازة فمعناه أحد الشيئين إما إذن الولي غيره في الصلاة على الجنازة؛ لأن للولي حق الصلاة لما ذكرنا، فتكون له ولاية تحويل هذا الحق إلى غيره، وإما إذن أولياء الميت للمصلي لينصرفوا قبل الدفن؛ لأنه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا قبل الدفن إلا بإذنهم.

لما روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال: «أميران وليسا بأميرين» ولي الميت قبل الدفن والمرأة تكون في الركب وفي رواية «صاحب الدابة القطوف» . وإن كانت الرواية لا بأس بالأذان في صلاة الجنازة فمعناه لا بأس بالإعلام قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إعلام من الله ورسوله.

والإعلام لا بأس به في صلاة الجنازة فإنه روي عن رسول الله عليه السلام أنه مر بقبر فقال: قبر من هذا فقيل: «قبر فلانة ماتت ليلاً فقال: آذنتموني فقال: خشينا عليك هوام الليل فقال عليه السلام: «إذا مات منكم ميت فآذنوني فإن صلاتي عليكم دعاء ورحمة» فدل أنه لا بأس بالإعلام في صلاة الجنازة، ولأن في الإعلام إعانة وحث على الطاعة فلا بأس به لهذا.

وقد حكي عن بعض مشايخ بلخ رحمهم الله: أنه يكره النداء في الأسواق أن فلاناً مات؛ لأنه من أفعال الجاهلية، وبنحوه ذكر الكرخي رحمه الله: عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ينبغي أن يؤذن بالجنازة إلا أهلها وجيرانها ومسجد حيها، وكثيراً من مشايخ بخارى رحمهم الله لم يروا به بأساً إذ ليس المقصود منه الترسم برسم أهل الجاهلية، وإنما المقصود به الإعلام حثاً على الطاعة ألا ترى أن النداء الخاص لا يكره وكذا لا يكره العام أيضاً.

ولا يصلى على ميت إلا مرة واحدة، وقال الشافعي رحمه الله: يجوز لمن لم يصلِ أن يصلي عليه.

حجته: أنه لما قبض رسول الله عليه السلام صلى على قبره الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فوجاً بعد فوج، ولأن الصلاة على الميت شرعت دعاءً واستغفاراً له،

<<  <  ج: ص:  >  >>