للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدعاء والاستغفار مشروع مرة بعد مرة.

وعلماؤنا رحمهم الله: احتجوا بما روي أن رسول الله عليه السلام صلى على جنازة فلما فرغ جاء عمر رضي الله عنه، ومعه قوم، فأراد أن يصلي عليها فقال عليه السلام: «الصلاة على الجنازة لا تعاد، ولكن ادع للميت واستغفر له» ، وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه لما مات أخوه عاصم قال لابن عاصم: أرني قبر أبيك فأراه، فقام عليه ودعا ولم يصل عليه.

والمعنى: أن صلاة الفريق الأول وقعت فرضاً أن صلاة الجنازة شرعت قضاء لحق الميت صار مقاماً بالفريق الأول، فسقط الفرض بصلاة الفريق الثاني فيكون نفلاً، والتنفل بصلاة الجنازة غير مشروع، ولو جاز ذلك لكان الأولى أن يصلي على قبر رسول الله عليه السلام من رزق زيارته الآن؛ لأنه في قبره كما وضع؛ لأن لحوم الأنبياء حرام على الأرض، به ورد الأثر عن رسول الله عليه السلام، ولم يستقبل أحد بهذا، فعلم أنه لا تعاد الصلاة على الميت.

قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إلا أن يكون الذي صلى أول مرة غير الولي حينئذٍ يكون للولي حق الإعادة؛ لأن حق التقدم للولي، وليس لغيره؛ ولأنه إسقاط حقه، وهو تأويل فعل الصحابة، فإن أبا بكر رضي الله عنه كان مشغولاً بتسوية الأمور وتسكين الفتنة، وكانوا يصلون عليه قبل حضوره، وكان الحق لأبي بكر رضي الله عنه؛ لأنه كان هو الخليفة. فلما فرغ صلى عليه، ثم بعده لم يصلِ عليه أحد.

وأما حديث النبي عليه السلام: كان هو الولي لمن مات بالمدينة، وغير الولي متى صلى على الميت كان للولي حق الإعادة.

وتكره صلاة الجنازة عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها لحديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: «ثلاث ساعات نهانا رسول الله عليه السلام أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا» وذكر هذه الساعات، والمراد من ذلك صلاة الجنازة؛ لأن الدفن في هذه الأوقات غير مكروه وإن صلوها لم يكن عليهم إعادتها؛ لأن حق الميت يتأدى بما أدوا، فإن المؤدى في هذه الأوقات صلاة، وإن كان بها نقصان إلا أن السبب أوجبها كذلك؛ لأن سبب صلاة الجنازة حضور الجنازة.

ألا ترى أن الصلاة تضاف إلى الجنازة يقال: صلاة الجنازة، والحكم أبداً يضاف إلى السبب (١٢٤أ١) وكذلك تتكرر الصلاة بتكرر الجنازة وهذا يدل على كون الجنازة سبباً فهو معنى قولنا: السبب أوجبها مع النقصان وقد أداها كذلك. فهو نظير ما لو تلا آية السجدة في هذه الأوقات وسجد فيها جاز، وطريقه ما قلنا، ولأنهم لو أعادوها لازدادت الكراهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>