ونظير هذا ما لو سجد للسهو قبل السلام نهي عنه، ولو سجد مع ذلك جاز، لأنه لو لم يجز صارت سجدات أربعاً فازدادت الكراهة. وهذا الرجل ما خالف الكل فإن من العلماء من يجوز السجدة قبل السلام.
وكذلك ههنا من العلماء من يجوز الصلاة في الأوقات المكروهة، ولأن صلاة الجنازة تشبه الصلاة المطلقة حيث إنه يشترط فيها الطهارة عن الحدث، والطهارة عن النجاسة، وستر العورة، واستقبال القبلة والتحريم بالتكبير، والتحلل بالسلام، وتشبه الدعاء من حيث سقوط القراءة والركوع والسجود، فمن حيث إنها تشبه الصلاة نهي، ومن حيث إنها تشبه الدعاء إذا أداها جاز، وهو قياس سجدة التلاوة إذا تلاها في هذه الأوقات، وأراد أن يسجد لها ينهى عن ذلك، ولو سجد جاز وسقط عنه، كذلك هنا.
ولا تكره بعد طلوع الفجر، وبعد العصر لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه أتي بجنازة بعد العصر فقال: أسرعوا قبل أن تغرب الشمس، ولأن الصلاة على الجنازة فريضة، وإنما يكره في هذين الوقتين التطوع.
ولو حضرت الجنازة بعد غروب الشمس يبدؤون بالمغرب ثم بالجنازة لما روي عن أبي برزة الأسلمي أنه أتي بجنازة بعدما غربت الشمس ووضعت على مقبرة بالبصرة، فأمر المؤذن فأذن، وصلى المغرب ثم صلى على الجنازة، ولأن صلاة المغرب فرض عين، وصلاة الجنازة فرض كفاية، فتكون المغرب آكد، والبداية بآكد الفرضين أولى؛ ولأن تأخير المغرب مكروه، وتأخير صلاة الجنازة لا بأس به.
وروى الحسن بن زياد رحمه الله في «المجرد» : أنه يبدأ بأيهما شاء؛ لأن مبنى صلاة الجنازة على المسارعة، قال عليه السلام:«ثلاث لا يؤخرن» وذكر من جملتها الصلاة على الجنازة، ومبنى المغرب أيضاً على المسارعة فاستويا فيبدأ بأيهما شاء.
وإن أوجد شيئاً من أطراف ميت كيد أو رجل أو رأس لم يغسل ولم يصلِ عليه، ولكنه يدفن.
وقال الشافعي: يغسل ويصلى عليه قل ذاك الجزء أو كثر بناءً على مذهبه أن تكرار الصلاة على ميت واحد يجوز، وعندنا لا يجوز. وهذا في الميت عند الشافعي، أما في الشهيد عنده لا يصلى على كل البدن فكيف يصلى على جزء منه. وأجمعوا أنه لو وجد أكثر البدن يغسل ويصلى عليه.
وذكر الحسن بن زياد في صلاته عن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا وجد أكثر البدن غسل وكفن وصلي عليه ودفن. وإن كان نصف البدن، ومعه الرأس غسل وصلي عليه ودفن، وإن كان مشقوقاً نصفين طولاً، فوجد منه أحد النصفين لم يغسل، ولم يصلِ عليه، ولكنه يدفن لحرمته، وإن كان نصف البدن بلا رأس غسل، ولم يصلِ عليه. وإن كان أقل من نصف البدن ومعه الرأس غسل وكفن ودفن ولا يصلى عليه.