احتج الشافعي رحمه الله بما روي أن طائراً ألقى يد آدمي بمكة في وقعة الجمل، فغسلها أهل مكة وصلوا عليها، قيل: إنها يد طلحة بن عبيد الله، أو يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى على عظام بالشام، وعن أبي عبيدة رضي الله عنه أنه صلى على رؤوس، ولأن هذا نقص من جملة الآدمي لا يزال عنه في حالة السلامة، فيجب الصلاة عليه قياساً على ما لو كان الموجود في أكثر من نصف البدن، أو نصف البدن ومعه الرأس، وهذا لأن الصلاة على المسلم شرعت لحرمة المسلم وحرمة القليل كحرمة الكثير بدليل أنه لا يحل إتلاف القليل كما لا يحل إتلاف الكثير.
وأصحابنا رحمهم الله: احتجوا بما روي عن ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا:«لا يصلى على عضو» والمعنى: وهو أن هذا العضو لو انفصل عن الآدمي حالة الحياة لا يصلى عليه، فكذا لو انفصل عنه بعد موته وجب أن لا يصلى عليه قياساً على الشعر والظفر؛ وهذا لأن صلاة الجنازة ما عرفت قربة بدون الميت، والميت اسم لجميع البدن، ولم يوجد جميع البدن، ولا أكثر البدن، إنما وجد منه البعض، والمعدوم أكثر من الموجود، فيرجح العدم على الموجود، فكأنه لم يوجد شيء من البدن، وبدون بدن الميت لا تقام صلاة الجنازة بخلاف إذا وجد الأكثر؛ لأن جانب الموجود يرجح على العدم، فسقط اعتبار العدم.
فأما حديث أهل مكة، قلنا: التعلق به لا يصح؛ لأنه ليس في الحديث أن الغاسل لليد والمصلي عليها من هو، فما لم يعرف الغاسل لا يكون الحديث حجة، وأما حديث عمر رضي الله عنه المراد منه الدعاء لإجماعنا أنه لا يصلى على العظام، وكذا حديث أبي عبيدة محمول على الدعاء صلى يعني: دعا.
ثم الطرف يدفن لأن الدفن إماطة الأذى، وقد ورد الأثر به فإنه روي عن النبي عليه السلام أنه قال:«الإسلام بضعة وسبعون باباً أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» .
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إذا كان القوم في المصلى فجيء بالجنازة هل يقومون لها إذا رأوها قبل أن توضع؟ فيه كلام، من الناس من يقول: يقومون لما روي عن النبي عليه السلام أنه كان جالساً فمرت عليه جنازة فقام فزعاً فقيل له: إنه جنازة يهودي فقال: «ما قمت لها وإنما قمت فزعاً من الموت» ، ومنهم من قال: لا يقومون وهو الصحيح. والصلاة على الجنازة في الجبانة والأمكنة والدور سواء لما روي عن النبي عليه السلام أنه صلى على بعض في الموتى في الأمكنة وصلى على البعض في الجبانة.