الوقف، فظاهر، وأما بقاء النذر؛ فلأن صرف الصدقة الواجبة إلى هذه القرابة لما لم يجز لم يصر مؤدياً المنذور، فيبقى عليه كما كان.
وفي «الجامع» : إذا قال: أول كُرَ حنطة أملكه صدقة في المساكين، فملك كر ونصف كر لا يلزمه التصدق بشيء، وإن قال: أول عبد أملكه فهو حر، فاشترى عبداً ونصف عبد عتق العبد الكامل.
والفرق: أن الكُرَّ اسم لأربعين قفيزاً، فصار تقدير يمينه أول أربعين قفيز حنطة أملكها، فهو صدقة، ولو صح بذلك، وملك ستين قفيزاً لا يلزمه التصدق؛ لأن الكر اسم لأربعين قفيزاً، ووفيناه ثلاث عشرينات أي العشرين ضمناه إلى عشرين آخر، فنطلق عليه اسم الكر، وبسبب اسم الكر عن الآخر فاق المزاحمة، ومن شرط إطلاق اسم إلا وليست بينهما المزاحمة، فإذا لم تنتف المزاحمة لم يتحقق الشرط، فلا يلزمه التصدق بخلاف مسألة العبد، فأما إذا ضممنا النصف من العبد الكامل إلى نصف العبد لا يسمى عبداً، بل يسمى نصف العبدين ولا ينتفي اسم العبد عن الكامل، فلم يكن نصف العبد من أيهما للعبد، فيتحقق شرط وجوب التصدق.
وزان مسألة الكر عن مسألة العبد ما إذا قال: أول أربعين عبداً أملكهم، فاشترى ستين، والحكم في سائر ما يكال ويوزن كالحكم في الكر، والحكم في الثياب والعروض كالحكم في العبد إذا قال: إن فعلت كذا مالي صدقة في المساكين، أو قال: وكل مالي، ففعل ذلك الفعل، فالقياس أن يلزمه التصدق بجميع ماله مال الزكاة وغيره (١٤٥ب١) في ذلك على السواء؛ لأنه أضاف الصدقة إلى ماله مطلقاً في الصورة الأولى، وإلى جميع ماله في الصورة الثانية، فيدخل تحته جميع أمواله كما في الوصية يدل عليه أن قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}(النساء: ٢٩) تناول جميع الأموال، وقوله عليه السلام:«من ترك مالاً» تناول جميع الأموال.
ووجه الاستحسان: أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، ثم ما أوجب الله تعالى من الصدقة مضافاً إلى مال مطلق بقوله:{خذ من أموالهم صدقة}(التوبة: ١٠٣) تناول مال الزكاة خاصة، فكذا ما وجب بإيجاب العبد بخلاف الوصية؛ لأنا لم نجد في الوصية إيجابات الشرع تفيد مال الزكاة حتى يصرف إيجابه إليه، فانصرف إيجابه إلى الأموال كلها.
قال القدوري في «كتابه» : ولا فرق بين مقدار النصاب وما دونه؛ لأنه وإن قل، فهو مال الزكاة، فإن السبب ما يقل المال لا قدر منه، ولو كان عليه دين محيط بماله يلزمه التصدق بما في يديه، فإذا قضى الدين به يلزمه التصدق بمثله، وهذا لأن ما في يده مال الزكاة إلا أنه امتنع الوجوب فيه لمانع، وهو الدين، فيدخل تحت النذر، ولزمه التصدق به، فإذا قضى دينه به، فقد استهلك مالاً وجب التصدق به، فيكون مضموناً بمثله.