أبي حنيفة وعند زفر: هو طاهر طهور. وقال الشافعي: إن كان المستعمِل محدثاً فهو كما قال محمد طاهر غير طهور، وإن كان المستعمِل طاهراً فهو كما قال زفر طاهر وطهور.
أما ما ذهب إليه زفر أنه طاهر طهور لأنه غسل به عين طاهر، فلا تتغير صفته كما لو غسل به الثياب والقصاع الطاهرة. وإنما قلنا: إنه غُسل به عين طاهر؛ لأن أعضاء المحدث والجنب والحائض طاهرة، بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمكان يمر في بعض سكك المدينة فاستقبله حذيفة بن اليمان، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلّمأن يصافحه، فامتنع حذيفة رضي الله عنه، فسأله رسول الله عليه السلام عن ذلك، فقال: إني جنب، فقال عليه السلام:«المؤمن لا ينجس» وقال لعائشة رضي الله عنها: «ليست حيضتك في يدك» .
وجه قول من قال: بأنه نجس قول عليه السلام: «من توضأ وغسل وجهه تناثر عنه خطايا وجهه مع آخر قطرة من الماء، ولو غسل يديه تناثر عنه خطايا يديه مع آخر قطرة من الماء ... » الحديث إلى آخره، فجعل الماء مطهراً من الذنوب، والذنب نجس حكماً، والنجس حكماً لا يختلف عن النجس حقيقة، ثم الماء الذي يرفع فيه النجاسة يتنجس، فكذا الذي يرفع النجاسة الحكمية.
ثم على رواية الحسن: نجاسته غليظة اعتباراً بالنجاسة الحقيقية، وعلى رواية أبي يوسف خفيفة لمكان البلوى ولاختلاف الآثار فيه.
وجه قول محمد: إنه طاهر طهور ما ذكر بالرقة في إثبات الطهورية، فإن ما يدل على الطهورية يدل على الطهارة من طريق الأولى، ويدل عليه ما روي أن أصحاب رسول الله عليه السلام ورضي عنهم، كانوا يتبركون بوضوء رسول الله عليه السلام، وكانوا يغسلون به وجوههم وأبدانهم ولو كان نجساً لما فعلوا ذلك، ولأن الماء إذا استعمل في محل فانقص أحواله أن يصير في مثل حال المحل، وأعضاء المحدث والجنب طاهر حتى لو صلى وهو حامل لجنب أو محدث تجوز صلاته، ولو عرق الجنب والمحدث في ثيابهم لم تتنجس ثيابهم، ولكن لا يحل أداء الصلاة ببدن محدث، فالماء المستعمل في هذا المحل تصير بهذه الصفة، فإذا أصاب الثوب يجوز الصلاة فيه، ولو توضأ به لا تجوز الصلاة.
قال مشايخنا: ولنا مسائل تدل على نجاسة الماء المستعمل، منها: أجمعنا على أن المسافر إذا كان له ما يحتاج إليه لعطشه أنه يمسك الماء ويتيم، ولو كان الماء المستعمل طاهراً لتوضأ به ثم شرب.
ومنها: أن الجنب إذا أراد أن يغتسل فتوضأ وضوءه للصلاة إلا رجله، وإنما أمر