والمنصوص عليه في كتاب الله المثل بعد هذا قال محمد والشافعي رحمهما الله: المثل حقيقة هو المثل صورة ومعنى، والقيمة مثل معنى الصورة، فيكون مجازاً، ولا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر العمل بالحقيقة،
وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا: المثل معنى وهو القيمة، أريد بهذا النص فيما لا مثل له خلقة وصورة، فلا يبقى المثل صورة مراداً كيلا يؤدي إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز، وما روي عن الصحابة في هذا الباب أنهم أوجبوا بالمثل صورة، فتأويله أنهم أوجبوا ذلك باعتبار القيمة لا باعتبار الصورة والأعيان، وإذا وجب المثل معنى، وهو القيمة عند أبي حنيفة وأبي يوسف مطلقاً، وعندهما فيما لا مثيل له صورة، فعلى رواية «الجامع الصغير» يعتبر مكان القتل في اعتبار قيمة الصيد لا غير، فيُقوِّم الحَكَمان الصيد المقتول في المكان الذي قتله إن كان الصيد يباع ويشترى في ذلك المكان، وإن كان لا يباع ولا يشترى في ذلك المكان ففي أقرب الأماكن من ذلك المكان مما يباع فيه الصيد ويشترى والواحد يكفي للتقويم على قصد القياس، لكن اعتبرنا بالمثنى اتباعاً للنص.
وعلى رواية «الأصل» اعتبر المكان والزمان في اختيار قيمة الصيد، وهو الأصح؛ لأن قيمة الصيد كما تختلف باختلاف المكان تختلف باختلاف الزمان، ثم إذا ظهرت قيمة الصيد ينظر إن بلغت ثمن هدي كان القاتل بالخيار إن شاء أهدى، وإن شاء اشترى بها طعاماً، وأطعم كل مسكين نصف صاع من حنطة، أو صاعاً من تمر أو شعير، وإن شاء نظر كم يؤخذ بها من الطعام؟ فيصوم عن كل نصف صاع من حنطة يوماً، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وقال محمد رحمه الله: الخيار إلى الحكمين، فأي نوع عيناه لزمه ذلك، والأصح قولهما؛ لأن الاختيار إنما يثبت نظراً لمن عليه، ونظره في أن يكون التعيين معوضاً إليه، ويجوز اختيار الصوم مع القدرة على الهدي والإطعام؛ لأن الله تعالى ذكر بكلمة «أو» وإنها للتخيير.
ثم إن اختار الهدي ذبح بمكة، قال الله تعالى:{هدياً بالغ الكعبة}(المائدة: ٩٥) وإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام ولم يجزىء عن الهدي، معنى قوله: أجزأه عن الطعام إذا تصدق باللحم، وفيه بقية الطعام؛ لأن جواز الهدي يختص بمكة، وإن اختار الطعام أو الصيام يجوز في غير مكة، وإذا اختار الهدي يهدي بما يجوز به، وهو الجذع من الضأن إذا كان عظيماً، والشيء من غيره،
وإن اختار الهدي، وفضل عنه شيء نحو إن قتل شيئاً تزيد قيمته على قيمة شاة، ولا تبلغ قيمته قيمة بدنه أو بقرة، والزيادة على قيمة الشاة لا تبلغ قيمة شاة أخرى، فهو في الزيادة مخير إن شاء صرفها إلى الطعام، وإن شاء صرفها إلى الصوم؛ لأن تلك الزيادة إذا لم تبلغ هدياً، فهي في الحكم كالصيد الصغير الذي يبلغ هدياً، وثمة الجواب هكذا، وإن اختار الصوم قُوِّم المقتول طعاماً، وصام عن كل نصف صاع حنطة يوماً، وإن فضل عن الطعام أقل من نصف صاع كان مخيراً إن شاء صام عنه، وإن شاء أخرج طعاماً؛ لأن الصوم لا يكون أقل من يوم.