فى منى لقضاء حوائجهم أشعرناكم، فلا تكونوا إلا على أهبة. وافترقوا على هذا الرأى، فلما كان صبيحة اليوم الثالث عشر من الحجة؛ وهو يوم النفر الأول وقد افترق عسكر صاحب اليمن عنه وانتشروا فى منى يتجهزون للسفر - أرسل الشريف رسولا بكتاب إلى أمير الركب يستحثه الركوب، وقال: هذا وقت قضاء الحاجة. فركب أمير الحاج بزلار ومن معه ومن انضم إليه من الأمراء وغيرهم خلا الأمير طاز، واستعانوا بالسيد عجلان وبنى حسن والعوامّ، وتلاهم الطماعة، فقصدوا المجاهد وهو نازل بمنى، وكان غافلا عنهم، وفى قلة من غلمانه، فنهبوا المحطة على حين غفلة من أهلها، وأحاطوا بمخيّم السلطان، وكان عنده جماعة من أصحابه فقاتل بعضهم؛ فقتل منهم جماعة، وتوقّف هو عن الحرب رعاية لحرمة الزمان والمكان، ففر إلى جبل بمنى، واستمر القتال، فرأى السلطان أنه إن استمر ١٨٠ القتال قتل أصحابه فاستسلم للقضاء على أنهم لا يتعرضون لغيره؛ ففعل وفعلوا. فلما لزم الجميع أيديهم نزل إليهم فنزلوا بأجمعهم مترجلين وأركبوه بغلة وساروا بين يديه إلى محطتهم واحتفظوا به مع الكرامة والتبجيل والتعظيم، وضربوا له خاما خاصا، ثم بعد مسكه ردوا على أهل اليمن وعلى المجاهد ما قدروا على رجوعه من الخيل وغيرها، وأسلموا ذلك لأمه وولده، وأودعوهم للشريف عجلان. وسألوا المجاهد أن يستصحب معه من غلمانه من أراد؛ فاستصحب الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملى، وسافروا بالمجاهد فى اليوم الرابع عشر من ذى الحجة فى وسط النهار - وقد غلّوه وأركبوه إكديشا (١)، ورسموا عليه
(١) الإكديش: هو الفرس المهجن غير الأصيل. (المعجم الوسيط).