وفيها حصل اختلاف كثير فى تعيين الوقفة؛ لأن جمعا كثيرا من القادمين إلى مكة فى البر والبحر، وبعض من بمكة المشرفة ذكروا أنهم رأوا الهلال لذى الحجة ليلة الاثنين، ولم ير ذلك أهل مكة. ولا غالب الركب المصرى؛ فوقع الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة فى بكرة يوم الثلاثاء تاسع ذى الحجة على مقتضى قول من قال إنه رأى بالاثنين. وأن يقيموا بعرفة ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء؛ ففعل ذلك، وسار معظم الحاج إلى عرفة بعد طلوع الشمس من غير نزول بمنى؛ فبلغوها بعد دخول وقت العصر، فتخلّف غالب المكيين وأهل اليمن بمكة إلى وقت الظهر، وتوجهوا إلى عرفة من غير نزول بمنى. فلما كانوا بالمأزمين - مأزمى عرفة، وتسمى الناس هذا الموضع المضيق - خرج إليهم بعض الحرامية فقتلوا وجرحوا ونهبوا، وعقروا الجمال، وسلم الناس (١)؛ فوصلوا إلى عرفة، وأقاموا بها ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء إلى الغروب ونفروا مع الحجاج إلى المزدلفة، وباتوا بها إلى قرب الفجر، ثم رحلوا إلى منى بعد رحيل المحامل، والمعهود أنها لا ترحل إلا بعد الفجر وكذا غالب الناس؛ ففاتتهم الفضيلة. وما تعرض لهم فى سيرهم من عرفة إلى منى أحد بسوء؛ لعناية أمير الحاج بحراستهم، وانتهوا إلى منى فى بكرة يوم الخميس. وحصل فى منى فى ليلة الأربعاء
(١) كذا فى الأصول. وفى شفاء الغرام ٢٥٦:٢ «وعقروا الجمال، وكنا بالقرب ممن أصابه هذا البلاء، فلطف الله تعالى ولم يصبنا مثل الذى أصابهم، ووصلنا إلى عرفة، ووصل بعدها إليها أناس آخرون، وأقمنا بها مع الحجاج بقية ليلة الأربعاء».