للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿الثّالِثَةَ الْأُخْرى﴾ ألقى الشيطان على لسانه: وإنهن الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهن لهى التى ترتجى. فلما بلغ رسول الله آخر السورة سجد وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك، غير أن الوليد بن المغيرة، وقيل: أبا أحيحة سعيد بن العاص، ويقال:

كلاهما جميعا-وكانا شيخين كبيرين لا يقدران على السجود-رفعا على كفّيهما ترابا إلى جبهتهما فسجدا عليه، ورضوا بما ألقاه الشيطان على لسانه، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت، ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فأما إذ جعلت لنا نصيبا فنحن معك. وكبر ذلك على رسول الله حتى جلس فى بيته، فأوحى الله إليه ﴿وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ إلى قوله ﴿لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً﴾ (١)

وفشت تلك السجدة فى الناس حتى بلغت أصحاب رسول الله الذين بالحبشة، وأنّ قريشا سجدوا معه وأسلموا، فقالوا:

إذا كانوا قد آمنوا فلنرجع إلى عشائرنا أحب إلينا. فخرجوا حتى كان بينهم وبين مكّة ساعة من نهار فلقوا ركبا من الركبان فسألوهم، فقالوا: ذكر محمد آلهتهم [(٢) بخير فتابعه الملأ، ثم ارتد عنها فعاد لشتم إلهتهم (٢)] فعادوا له بالشّر، فتركناهم على ذلك. فأتمروا فى الرجوع إلى الحبشة، ثم قالوا: ندخل فننظر ما فيه قريش، ونحدث عهدا بأهلنا ثم نرجع، فدخلوا-بعضهم مستخفيا وبعضهم بجوار-غير


(١) سورة الإسراء الآيات ٧٣ - ٧٥.
(٢) سقط فى الأصول. والمثبت عن عيون الأثر ١:١٢٠، وشرح المواهب ١:٢٨٠