للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) رُوِيَ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ أَبِي الْبَدَّاحِ «١» فَطَلَّقَهَا وَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ نَدِمَ فَخَطَبَهَا فَرَضِيَتْ وَأَبَى أَخُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَقَالَ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ إِنْ تَزَوَّجْتِيهِ. فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْقِلًا فَقَالَ:" إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا فَلَا تَمْنَعْ أُخْتَكَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ" فَقَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَزَوَّجَهَا مِنْهُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ فَنَزَلَتْ:" فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ". وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ فَخُطِبَتْ إِلَيَّ فَكُنْتُ أَمْنَعُهَا النَّاسَ، فَأَتَى ابْنُ عَمٍّ لِي فَخَطَبَهَا فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَخَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقُلْتُ: مَنَعْتُهَا النَّاسَ وَزَوَّجْتُكَ إِيَّاهَا ثُمَّ طَلَّقْتَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ ثُمَّ تَرَكْتَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا خُطِبَتْ إِلَيَّ أَتَيْتَنِي تَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ! لَا أُزَوِّجُكَ أَبَدًا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ أُنْزِلَتْ:" وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ" فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ. فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ:" فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَفًا، وَقَالَ: خَلَّى عَنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَةَ فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَانْقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: هُوَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ (بِالنُّونِ). قَالَ النَّحَّاسُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَوْ سِنَانٍ «٢». وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ. الثَّانِيَةُ- إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرٍ وَلِيٍّ لِأَنَّ أُخْتَ مَعْقِلٍ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيْهَا دُونَ وَلِيِّهَا لَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا، وَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى وَلِيِّهَا مَعْقِلٍ، فَالْخِطَابُ إِذًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَلا تَعْضُلُوهُنَّ" للأولياء، وأن الامر إليهم في التزويج


(١). في الأصول:" أبى الدحداح" وهو تحريف.
(٢). ليس في ز، وب: أو سنان.