للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «١». وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَيْ لَا تُكَلَّفُ الْمَرْأَةُ الصَّبْرَ عَلَى التَّقْتِيرِ فِي الْأُجْرَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ الزَّوْجُ مَا هُوَ إِسْرَافٌ بَلْ يُرَاعِي الْقَصْدَ. التَّاسِعَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ لِلْأُمِّ، فَهِيَ فِي الْغُلَامِ إِلَى الْبُلُوغِ، وَفِي الْجَارِيَةِ إِلَى النِّكَاحِ، وَذَلِكَ حَقٌّ لَهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وقال الشافعي: إذا بلغ الولد ثمان سِنِينَ وَهُوَ سِنُّ التَّمْيِيزِ، خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تَتَحَرَّكُ هِمَّتُهُ لِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ وَوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ، وَذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ: زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ" فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ «٢»، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اسْتَهِمَا عَلَيْهِ" فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا شِئْتَ" فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ. وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي". قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا افْتَرَقَا وَلَهُمَا وَلَدٌ أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحْ. وَكَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَنَّهَا أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِ مَا دَامَ طِفْلًا صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ شَيْئًا إِذَا كَانَ عِنْدَهَا فِي حِرْزٍ وَكِفَايَةٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا فِسْقٌ وَلَا تَبَرُّجٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَخْيِيرِهِ إِذَا مَيَّزَ وَعَقَلَ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَفِيمَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي ابنة حمزة للخالة من غير تخيير.


(١). راجع ج ١٨ ص ١٧٢. [ ..... ]
(٢). بئر أبى عنبة، بئر بالمدينة عندها عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ حين سار إلى بدر. النهاية.