للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَأَيْتُ فِي" عُيُونِ التَّفْسِيرِ" لِإِسْمَاعِيلَ الضرير تَفْسِيرِ الْقَيُّومِ قَالَ: وَيُقَالُ هُوَ الَّذِي لَا يَنَامُ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَقِيبَهُ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ:" لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ". وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْقَيُّومُ الَّذِي لَا بدئ «١» لَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ. وَأَصْلُ قَيُّومٍ قَيْوُومٌ اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَأُدْغِمَتِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ قَلْبِ الْوَاوِ يَاءً، وَلَا يَكُونُ قَيُّومٌ فَعُّولًا، لِأَنَّهُ مِنَ الواو فكان يكون قيووما. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَعْمَشُ وَالنَّخَعِيُّ" الْحَيُّ الْقَيَّامُ" بِالْأَلِفِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ الْقَيُّومَ أَعْرَفُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَصَحُّ بِنَاءً وَأَثْبَتُ عِلَّةً. والقيام مَنْقُولٌ عَنِ الْقَوَّامِ إِلَى الْقَيَّامِ، صُرِفَ عَنِ الْفَعَّالِ إِلَى الْفَيْعَالِ، كَمَا قِيلَ لِلصَّوَّاغِ الصَّيَّاغُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّ ذَا الْعَرْشِ لَلَّذِي يَرْزُقُ الْنَا ... سَ «٢» وَحَيٌّ عَلَيْهِمْ قَيُّومُ

ثُمَّ نَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَأْخُذَهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ. وَالسِّنَةُ: النُّعَاسُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَالنُّعَاسُ مَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ فَإِذَا صَارَ فِي الْقَلْبِ صَارَ نَوْمًا، قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقَاعِ يَصِفُ امْرَأَةً «٣» بِفُتُورِ النَّظَرِ:

وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ «٤» ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ

وَفَرَّقَ الْمُفَضَّلُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: السِّنَةُ مِنَ الرَّأْسِ، وَالنُّعَاسُ فِي الْعَيْنِ، وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْوَسْنَانُ الَّذِي يَقُومُ مِنَ النَّوْمِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ، حَتَّى رُبَّمَا جَرَّدَ السَّيْفَ عَلَى أَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَفْهُومٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: السِّنَةُ: رِيحُ النَّوْمِ الَّذِي يَأْخُذُ فِي الْوَجْهِ فَيَنْعَسُ الْإِنْسَانُ. قُلْتُ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ فُتُورٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ وَلَا يَفْقِدُ مَعَهُ عَقْلَهُ. وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُدْرِكُهُ خَلَلٌ وَلَا يَلْحَقُهُ مَلَلٌ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَالْأَصْلُ فِي سِنَةٍ وَسْنَةٌ حذفت الواو


(١). في الأصول:" لا بديل له" والتصويب عن اللسان.
(٢). في ج: الخلق.
(٣). هذا البيت في وصف ظبي، وقيل هذا البيت:
لولا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم
كأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم.
(٤). رنق النوم في عينيه: خالطها.