، النُّونَيْنِ يَاءً كَرَاهَةَ التَّضْعِيفِ فَصَارَ يَتَسَنَّى، ثُمَّ سَقَطَتِ الْأَلِفُ لِلْجَزْمِ وَدَخَلَتِ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:" لَمْ يَتَسَنَّهْ" لَمْ يُنْتِنْ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ مِنَ السَّنَةِ، أَيْ لَمْ تُغَيِّرْهُ السِّنُونَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّنَةِ وَهِيَ الْجَدْبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ" «١» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ". يُقَالُ مِنْهُ: أَسْنَتَ الْقَوْمُ أَيْ أَجْدَبُوا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُغَيِّرْ طَعَامَكَ الْقُحُوطُ وَالْجُدُوبُ، أَوْ لَمْ تُغَيِّرْهُ السِّنُونَ وَالْأَعْوَامُ، أَيْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَرَاوَتِهِ وَغَضَارَتِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَغَيْرُهُ: وَانْظُرْ إِلَى اتِّصَالِ عِظَامِهِ وَإِحْيَائِهِ جُزْءًا جُزْءًا. وَيُرْوَى أَنَّهُ أَحْيَاهُ اللَّهُ كَذَلِكَ حَتَّى صَارَ عِظَامًا مُلْتَئِمَةً، ثُمَّ كَسَاهُ لَحْمًا حَتَّى كَمُلَ حِمَارًا، ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكٌ فَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْهَقُ، عَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَيْضًا أَنَّهُمَا قَالَا: بَلْ قِيلَ لَهُ: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ قائما في مربطه لم يصبه شي مِائَةَ عَامٍ، وَإِنَّمَا الْعِظَامُ الَّتِي نَظَرَ إِلَيْهَا عِظَامُ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ أَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ عَيْنَيْهِ وَرَأْسَهُ، وَسَائِرُ جَسَدِهِ مَيِّتٌ، قَالَا: وَأَعْمَى الله العيون عن إرميا وحماره طول هذه المدة. وقوله تَعَالَى: (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا أَدْخَلَ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ" وَلِنَجْعَلَكَ" دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ لِفِعْلٍ بَعْدَهُ، مَعْنَاهُ" وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ" وَدَلَالَةً عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ جَعَلْنَا ذلك. وإن شئت جملت الْوَاوَ مُقْحَمَةً زَائِدَةً. وَقَالَ الْأَعْمَشُ: مَوْضِعُ كَوْنِهِ آيَةً هُوَ أَنَّهُ جَاءَ شَابًّا عَلَى حَالِهِ يَوْمَ مَاتَ، فَوَجَدَ الْأَبْنَاءَ وَالْحَفَدَةَ شُيُوخًا. عِكْرِمَةُ: وَكَانَ يَوْمَ مَاتَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ عُزَيْرًا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ وَخَلَّفَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا، وَلَهُ خَمْسُونَ سَنَةً فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ فَكَانَ ابْنُهُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِخَمْسِينَ سَنَةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَحْيَا اللَّهُ عُزَيْرًا رَكِبَ حِمَارَهُ فَأَتَى مَحَلَّتَهُ فَأَنْكَرَ النَّاسَ وَأَنْكَرُوهُ، فَوَجَدَ فِي مَنْزِلِهِ عَجُوزًا عَمْيَاءَ كَانَتْ أَمَةً لَهُمْ، خَرَجَ عَنْهُمْ عُزَيْرٌ وَهِيَ بِنْتُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهَا: أَهَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ! ثُمَّ بَكَتْ وَقَالَتْ: فَارَقَنَا عُزَيْرٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً قَالَ: فَأَنَا عُزَيْرٌ، قَالَتْ: إن عزيرا فقدناه منذ
(١). راجع ٧ ص ٢٦٣
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute