للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْسُقٍ زَكَاةٌ". وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، فَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وَلَيْسَ فيما أنبتت الأرض من الحضر زَكَاةٌ. وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" وَإِنَّ ذَلِكَ عُمُومٌ فِي قَلِيلِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ وَفِي سَائِرِ الْأَصْنَافِ، وَرَأَوْا ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي" الْأَنْعَامِ «١» " مُسْتَوْفًى. وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَرَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:" الْعَجْمَاءُ «٢» جَرْحُهَا جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ". قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَعَادِنِ غَيْرُ الْحُكْمِ فِي الرِّكَازِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَصَلَ بَيْنَ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ بِالْوَاوِ الْفَاصِلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ لَقَالَ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ، فَلَمَّا قَالَ" وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" عُلِمَ أَنَّ حُكْمَ الرِّكَازِ غَيْرُ حُكْمِ الْمَعْدِنِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالرِّكَازُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مَا ارْتَكَزَ بِالْأَرْضِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ، وَهُوَ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي «٣» النَّدْرَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْمَعْدِنِ مُرْتَكِزَةً بِالْأَرْضِ لَا تُنَالُ بِعَمَلٍ وَلَا بِسَعْيٍ وَلَا نَصَبٍ، فِيهَا الْخُمُسُ، لِأَنَّهَا رِكَازٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النَّدْرَةَ فِي الْمَعْدِنِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا يُتَكَلَّفُ فِيهِ الْعَمَلُ مِمَّا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْمَعْدِنِ فِي الرِّكَازِ، وَالْأَوَّلُ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ وعليه فتوى جمهور الفقهاء. وروى بعد اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرِّكَازِ قَالَ:" الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَ الله في الأرض يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ". عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يَصِحُّ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَدَفْنُ «٤» الْجَاهِلِيَّةِ لِأَمْوَالِهِمْ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ رِكَازٌ أَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ فيه إذا كان


(١). راجع ج ٧ ص ٤٧.
(٢). العجماء: البهيمة، وجبار: هدر. والمعدن: المكان من الأرض يخرج منه شي من الجواهر والأجساد كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والكبريت وغيرها، من عدن بالمكان إذا أقام به. ومعنى الحديث أن تنقلت البهيمة فتصيب من انفلاتها إنسانا أو شيئا فجرحها هدر، وكذلك البئر العادية يسقط فيها إنسان فيهلك فدمه هدر، والمعدن إذا انهار على من يحفره فقتله فدمه هدر. راجع معاجم اللغة وكتب السنة.
(٣). الندرة (بفتح فسكون): القطعة من الذهب والفضة توجد في المعدن.
(٤). في هـ: دفين. [ ..... ]