للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِحَالٍ، بَلْ إِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَجَّ عَنْهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَكَانَ تَطَوُّعًا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى " [النجم: ٣٩] «١» فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سَعَى. فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَهُ سَعْيُ غَيْرِهِ فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْآيَةِ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ" وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، لِأَنَّ الْحَجَّ هُوَ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ الْبَيْتَ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا كَالصَّلَاةِ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُدْخِلُ بِالْحَجَّةِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ الْمَيِّتَ وَالْحَاجَّ عَنْهُ وَالْمُنَفِّذَ ذَلِكَ). خَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو «٢» بْنُ حُصَيْنٍ السَّدُوسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، فَذَكَرَهُ. قُلْتُ: أَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْمَرِيضِ الزَّمِنِ وَالْمَعْضُوبِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى مَنْ يُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ عَنْهُ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ اسْتِطَاعَةً مَا. وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى مَالٍ يَسْتَأْجِرُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِشَيْخٍ كَبِيرٍ لَمْ يَحُجَّ: جَهِّزْ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْكَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى مَنْ يَبْذُلُ لَهُ الطَّاعَةَ وَالنِّيَابَةَ فَيَحُجُّ عَنْهُ، فَهَذَا أَيْضًا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ [عَنْهُ]»

عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ بِحَالٍ. اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ: (نَعَمْ). وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فِي رِوَايَةٍ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ

يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحُجِّي عَنْهُ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ:) فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى (. فَأَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ بِطَاعَةِ ابْنَتِهِ إِيَّاهُ وَبَذْلِهَا مِنْ نَفْسِهَا لَهُ بِأَنْ تَحُجَّ عَنْهُ، فَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ


(١). راجع ج ١٧ ص ١١٤.
(٢). في ب: عمر بن حفص.
(٣). في د.