للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّاحِينَ. وَأَمَّا السَّكْرَانُ إِذَا عُدِمَ الْمَيْزَ لِسُكْرِهِ فَلَيْسَ بِمُخَاطَبٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِذَهَابِ عَقْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِامْتِثَالِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَبِتَكْفِيرِ مَا ضَيَّعَ فِي وَقْتِ سُكْرِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَرَّرَ تَكْلِيفُهُ إِيَّاهَا قَبْلَ السُّكْرِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (الصَّلاةَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالصَّلَاةِ هُنَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ الْعِبَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ نَفْسُهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ). وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُرَادُ مَوَاضِعُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ «١») فَسَمَّى مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ صَلَاةً. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) هذا يَقْتَضِي جَوَازَ الْعُبُورِ لِلْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ لَا الصَّلَاةَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) الْمُسَافِرُ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُرَادُ الْمَوْضِعُ وَالصَّلَاةُ مَعًا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ لَا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ إِلَّا لِلصَّلَاةِ وَلَا يُصَلُّونَ إِلَّا مُجْتَمِعِينَ، فَكَانَا مُتَلَازِمَيْنِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْتُمْ سُكارى) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ (تَقْرَبُوا). و (سُكارى) جَمْعُ سَكْرَانَ، مِثْلُ كَسْلَانَ وَكُسَالَى. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ (سَكْرَى) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى مِثَالِ فَعْلَى، وَهُوَ تَكْسِيرُ سَكْرَانَ، وَإِنَّمَا كُسِّرَ عَلَى سَكْرَى لِأَنَّ السُّكْرَ آفَةٌ تَلْحَقُ الْعَقْلَ فَجَرَى مَجْرَى صَرْعَى وَبَابِهِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ (سُكْرَى) كَحُبْلَى فَهُوَ صِفَةٌ مُفْرَدَةٌ، وَجَازَ الْإِخْبَارُ بِالصِّفَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. وَالسُّكْرُ: نَقِيضُ الصَّحْوِ، يُقَالُ: سَكِرَ يَسْكَرُ سَكْرًا، مِنْ بَابِ حَمِدَ يَحْمَدُ. وَسَكِرَتْ عَيْنُهُ تَسْكُرُ أَيْ تَحَيَّرَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا «٢»). وَسَكَّرْتُ الشَّقَّ «٣» سَدَدْتُهُ. فَالسَّكْرَانُ قَدِ انْقَطَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَقْلِ. السَّادِسَةُ- وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ بَلْ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى السُّكْرِ. وَقَالَ قَوْمٌ السُّكْرُ مُحَرَّمٌ فِي الْعَقْلِ وَمَا أُبِيحَ فِي شي من


(١). راجع ج ١٢ ص ٦٨.
(٢). راجع ج ١٠ ص ٨.
(٣). في الأصول: سكرت السد سددته، وفى ابن عطية: سكرت الماء سددته.