للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَدْيَانِ، وَحَمَلُوا السُّكْرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى النَّوْمِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ أُبِيحَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَابِ مَا يُحَرِّكُ الطَّبْعَ إِلَى السَّخَاءِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْحَمِيَّةِ. قُلْتُ: وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَقَدْ قَالَ حَسَّانُ:

وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا

وَقَدْ أَشْبَعْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي (الْبَقَرَةِ «١»). قَالَ الْقَفَّالُ: فَأَمَّا مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ حَتَّى يَصِيرَ صَاحِبُهُ فِي حَدِّ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَمَا أُبِيحَ قَصْدُهُ، بَلْ لَوِ اتَّفَقَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا عَنْ صَاحِبِهِ. قُلْتُ: هَذَا صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي (الْمَائِدَةِ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ حَمْزَةَ «٢». وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَجْتَنِبُونَ الشُّرْبَ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ، فَإِذَا صَلَّوُا الْعِشَاءَ شَرِبُوهَا، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُهَا فِي (الْمَائِدَةِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «٣»). السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) أَيْ حَتَّى تَعْلَمُوهُ مُتَيَقِّنِينَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ غَلَطٍ. وَالسَّكْرَانُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ السَّكْرَانَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُهُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ وَرَبِيعَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الليث ابن سَعْدٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَا يَجُوزُ، وَالسَّكْرَانُ مَعْتُوهٌ كَالْمُوَسْوَسِ مَعْتُوهٌ بِالْوَسْوَاسِ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَنَّ طَلَاقَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ سَكِرَ مِنَ الشَّرَابِ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ طَلَاقَهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ الطَّلَاقَ وَالْقَوَدَ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَفْعَالُ السَّكْرَانِ وَعُقُودُهُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ كَأَفْعَالِ الصَّاحِي، إِلَّا الرِّدَّةَ فَإِنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ [فَإِنَّهُ «٤»] لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ إِلَّا اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مُرْتَدًّا فِي حَالِ سُكْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَلَا يستتيبه.


(١). راجع ج ٣ ص ٥٥ فما بعدها.
(٢). راجع ج ٦ ص ٢٨٧.
(٣). راجع ج ٦ ص ٢٨٧.
(٤). من ج وط وى.