للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَحَدِيثٌ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عمروه فَقَالَ: أَمَّا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذَا، زَعَمَ أَنَّ حَبِيبًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ فَيَلْزَمُكُمْ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ. قُلْنَا: تَرَكْنَاهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُلَامَسَةَ هِيَ الْجِمَاعُ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قُلْنَا: قَدْ خَالَفَهُ الْفَارُوقُ وَابْنُهُ وَتَابَعَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ كُوفِيٌّ، فَمَا لَكُمْ خَالَفْتُمُوهُ؟! فَإِنْ قِيلَ: الْمُلَامَسَةُ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ، وَاللَّمْسُ بِالْيَدِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ هِيَ الْجِمَاعُ. قُلْنَا: الْمُلَامَسَةُ مُقْتَضَاهَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنَ اثْنَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوصَفُ لَامِسٌ وَمَلْمُوسٌ. جَوَابٌ آخَرُ- وَهُوَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ، وَالثَّوْبُ مَلْمُوسٌ وَلَيْسَ بِلَامِسٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ). وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عَاقَبْتُ اللِّصَّ وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَهُوَ كَثِيرٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَبَبَ الْحَدَثِ، وَهُوَ الْمَجِيءُ مِنَ الْغَائِطِ ذَكَرَ سَبَبَ الْجَنَابَةِ وهو الملامسة، فبين حكم الْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، كَمَا أَفَادَ بَيَانَ حُكْمِهِمَا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ. قُلْنَا: لَا نَمْنَعُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْجِمَاعِ وَاللَّمْسِ، وَيُفِيدُ الْحُكْمَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا. وَقَدْ قُرِئَ (لَمَسْتُمْ) كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ لَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إِنْ لَمَسَتْهُ هِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، إِلَّا الشَّعْرَ، فَإِنَّهُ لَا وُضُوءَ لِمَنْ مَسَّ شَعْرَ امْرَأَتِهِ لِشَهْوَةٍ كَانَ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَكَذَلِكَ السِّنُّ وَالظُّفُرُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْبَشَرَةِ. وَلَوِ احْتَاطَ فَتَوَضَّأَ إِذَا مَسَّ شَعْرَهَا كَانَ حَسَنًا. وَلَوْ مَسَّهَا بِيَدِهِ أَوْ مَسَّتْهُ بِيَدِهَا مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ فَالْتَذَّ بِذَلِكَ