للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو لم يلتذ لم يكن عليهما شي حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى الْبَشَرَةِ، وَسَوَاءً فِي ذَلِكَ كَانَ مُتَعَمِّدًا أَوْ سَاهِيًا، كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً إِذَا كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إِذَا لَمَسَ صَبِيَّةً صَغِيرَةً أَوْ عَجُوزًا كَبِيرَةً بِيَدِهِ أَوْ وَاحِدَةً مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، فَمَرَّةً قَالَ: يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) فَلَمْ يُفَرِّقْ. وَالثَّانِي لَا يُنْقَضُ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلشَّهْوَةِ فِيهِنَّ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) وَلَمْ يَقُلْ بِشَهْوَةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطُوا الشَّهْوَةَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ عَامَّةُ التَّابِعِينَ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ مُرَاعَاةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْرَهُمَا. قَالَ: وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ لَامِسٍ لِامْرَأَتِهِ، وَغَيْرُ مُمَاسٍّ لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ، إِنَّمَا هُوَ لَامِسٌ لِثَوْبِهَا. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَلَذَّذَ وَاشْتَهَى أَنْ يَلْمِسَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، فَكَذَلِكَ مَنْ لَمَسَ فَوْقَ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمَاسٍّ لِلْمَرْأَةِ. قُلْتُ: أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ مَالِكًا عَلَى قَوْلِهِ إِلَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَأَحْمَدَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ كُلُّهُمْ قَالُوا: إِذَا لَمَسَ فَالْتَذَّ وَجَبَ الْوُضُوءُ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ فَلَا وُضُوءَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي النَّظَرِ) فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْخَبَرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا ثَانِيًا، [قَالَتْ «١»] وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْمُلَامِسَ، وَأَنَّهُ غَمَزَ رِجْلَيْ عَائِشَةَ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. فَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ قَوْلِهِ: (أَوْ لامَسْتُمُ) فَكَانَ وَاجِبًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ انْتِقَاضُ وُضُوءِ كُلِّ مُلَامِسٍ كَيْفَ «٢» لَامَسَ. وَدَلَّتِ السُّنَّةُ الَّتِي هِيَ الْبَيَانُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى بَعْضِ الْمُلَامِسِينَ دُونَ بَعْضٍ، وهو من لم يلتذ ولم يقصد.


(١). من ز، ط، ح، ج.
(٢). في اوح: حيث.