وَلَا يُقَالُ: فَلَعَلَّهُ كَانَ عَلَى قَدَمَيْ عَائِشَةَ ثَوْبٌ، أَوْ كَانَ يَضْرِبُ رِجْلَيْهَا بِكُمِّهِ، فَإِنَّا نَقُولُ: حَقِيقَةُ الْغَمْزِ إِنَّمَا هُوَ بِالْيَدِ، وَمِنْهُ غَمْزُكَ الْكَبْشَ أَيْ تَجُسُّهُ لِتَنْظُرَ أَهُوَ سَمِينٌ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَمْزُ الضَّرْبَ بِالْكُمِّ فَلَا. وَالرِّجْلُ [مِنَ النَّائِمِ «١»] الْغَالِبُ عَلَيْهَا ظُهُورُهَا مِنَ النَّائِمِ، لَا سِيَّمَا مَعَ امْتِدَادِهِ وَضِيقِ حَالِهِ. فَهَذِهِ كَانَتِ الْحَالُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهَا: (وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) وَقَوْلُهَا: (وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ). وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا عَنْهَا قَالَتْ: (كُنْتُ أَمُدُّ رِجْلَيَّ فِي قِبْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَرَفَعْتُهُمَا، فَإِذَا قَامَ مَدَدْتُهُمَا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. فَظَهَرَ أَنَّ الْغَمْزَ كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ. وَدَلِيلٌ آخَرُ- وَهُوَ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، الْحَدِيثَ. فَلَمَّا وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى قَدَمِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَتَمَادَى فِي سُجُودِهِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا عَلَى بَعْضِ الْمُلَامِسِينَ دُونَ بَعْضٍ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ عَلَى قَدَمِهِ حَائِلٌ كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ. قِيلَ لَهُ: الْقَدَمُ قَدَمٌ بِلَا حَائِلٍ حَتَّى يَثْبُتَ الْحَائِلُ، وَالْأَصْلُ الْوُقُوفُ مَعَ الظَّاهِرِ، بَلْ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ كَالنَّصِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ رَجُلًا لَوِ اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً فَمَسَّ خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَهِيَ لَا تَلْتَذُّ لِذَلِكَ، أَوْ كَانَتْ نَائِمَةً فَلَمْ تَلْتَذَّ وَلَمْ تَشْتَهِ أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ قَبَّلَ أَوْ لَامَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَوَجَبَ عليه الوضوء، لان المعنى في الجسة واللمس وَالْقُبْلَةِ الْفِعْلُ لَا اللَّذَّةُ. قُلْنَا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَعْمَشَ وَغَيْرَهُ قَدْ خَالَفَ فِيمَا ادَّعَيْتُمُوهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا يَلْزَمُ، وَقَدِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ- فِيمَا زَعَمْتُمْ- إِنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهِ شَيْخُهُ مَالِكٌ، كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَنَا (إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَخُذُوا بِهِ وَدَعُوا قَوْلِي) وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَلِمَ لَا تَقُولُونَ بِهِ؟! وَيَلْزَمُ عَلَى مَذْهَبِكُمْ أَنَّ مَنْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَلَطَمَهَا بِيَدِهِ تَأْدِيبًا لَهَا وَإِغْلَاظًا عَلَيْهَا أَنْ يَنْتَقِضَ وُضُوءُهُ، إِذِ الْمَقْصُودُ وجود
(١). في ج وط وز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute