للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ طَلَبُ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَمْ لَا؟ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ نَصْرٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ عَلَى غَلْوَتَيْنِ «١» مِنْ طَرِيقِهِ فَلَا يُعْدَلُ إِلَيْهِ. قَالَ إِسْحَاقُ: لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إِلَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمَاءِ. وَأَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَدَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ مُبْدَلِهِ، فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُهُ إِلَّا مَعَ تَيَقُّنِ عَدَمِ مُبْدَلِهِ، كَالصَّوْمِ مَعَ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ. التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَعُدِمَ الْمَاءُ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِهِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُ وَيَقْوَى رَجَاؤُهُ لَهُ، أَوْ يَتَسَاوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: فَالْأَوَّلُ- يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ: لِأَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. الثَّانِي- يَتَيَمَّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ، حَكَاهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ، فَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ رَجَاءَ إِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْمَاءِ مَا لَمْ تَفُتْهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْ تُدْرَكُ بِوَسَطِهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ. الثَّالِثُ- يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْمَاءِ أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِأَنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَفَضِيلَةُ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ يَجُوزُ تَرْكُهَا دُونَ ضَرُورَةٍ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ فَضِيلَةِ الْمَاءِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ هُوَ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، قَالَهُ ابن حبيب. ولو علم وجود الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَصَلَّى فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئُهُ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ خَاصَّةً. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: إِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بعد «٢» أعاد أبدا.


(١). الغلوة (بفتح فسكون بعدها واو مفتوحة): قدر رمية بسهم، ويقال: هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة.
(٢). في ج وز وط: ان وجد الماء فلم يعد أعاد أبدا. [ ..... ]