للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَاصَّةً. وَفِي كِتَابِ الْخَلِيلِ: تَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ، أَيْ خُذْ مِنْ غُبَارِهِ، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ. وَهُوَ يَقْتَضِي التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ فَإِنَّ الْحَجَرَ الصَّلْدَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَعْلَقَ التُّرَابُ بِالْيَدِ وَيَتَيَمَّمَ بِهِ نَقْلًا إِلَى أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، كَالْمَاءِ يُنْقَلُ إِلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. قَالَ الْكِيَا: وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الصعيد ليس نصا فيما قال الشَّافِعِيُّ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا) بَيَّنَ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا) وَقَالُوا: هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ الْعُمُومِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ «١») وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي (الْبَقَرَةِ) عِنْدَ قَوْلِهِ (وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ «٢»). وَقَدْ حَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَّا، وَلَيْسَ بَعْدَ بَيَانِ اللَّهِ بَيَانٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ: (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ) وَسَيَأْتِي. فَ (صَعِيداً) عَلَى هَذَا ظَرْفُ مَكَانٍ. وَمَنْ جَعَلَهُ لِلتُّرَابِ فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ بصعيد. و (طَيِّباً) نَعْتٌ لَهُ. وَمَنْ جَعَلَ (طَيِّباً) بِمَعْنَى حَلَالًا نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِ أَوِ الْمَصْدَرِ. الثَّانِيةُ وَالْأَرْبَعُونَ- وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الْإِجْمَاعِ مِمَّا «٣» ذَكَرْنَاهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ عَلَى تُرَابٍ مُنْبِتٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَنْقُولٍ وَلَا مَغْصُوبٍ. وَمَكَانُ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَنْعِ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ عَلَى الذَّهَبِ الصِّرْفِ وَالْفِضَّةِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْأَطْعِمَةِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا، أَوْ عَلَى النَّجَاسَاتِ. وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ هَذَا كَالْمَعَادِنِ، فَأُجِيزَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. وَمُنِعَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَشِيشِ إِذَا كَانَ دُونَ الْأَرْضِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الثَّلْجِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَبْسُوطِ جَوَازُهُ، وَفِي غَيْرِهِمَا مَنْعُهُ. وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْعُودِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ. وفي مختصر الوقار «٤» أنه جائز.


(١). راجع ج ١٧ ص ١٨٥. [ ..... ]
(٢). راجع ج ٢ ص ٣٦.
(٣). في ط: فيما.
(٤). الوقار (كسحاب): لقب زكريا بن يحيى بن ابراهيم المصري الفقيه.