للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا أَوْ مُتَّصِلًا فَأُجِيزَ عَلَى الْمُتَّصِلِ وَمُنِعَ فِي الْمُنْفَصِلِ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى شَجَرَةٍ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا أَجْزَأَهُ. قَالَ: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يَجُوزُ بِالْأَرْضِ وَكُلِّ مَا عَلَيْهَا مِنَ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى قَالَا: لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْجَمَدِ وَالثَّلْجِ «١» أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَمَّا التُّرَابُ الْمَنْقُولُ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجُمْهُورُ الْمَذْهَبِ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ أَكْثَرُ، وَأَمَّا مَا طُبِخَ كَالْجَصِّ وَالْآجُرِّ فَفِيهِ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ: الْإِجَازَةُ وَالْمَنْعُ، وَفِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْجِدَارِ خِلَافٌ. قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِغَيْرِ التُّرَابِ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَيَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَنَّ الْمَمْسُوحَ بِهِ تُرَابٌ طَاهِرٌ ذُو غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْيَدِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَابْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُمَا أَجَازَا التَّيَمُّمَ بِالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا خَطَأٌ بَحْتٌ مِنْ جِهَاتٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِجَازَةِ التَّيَمُّمِ بِالسِّبَاخِ إِلَّا إسحاق ابن رَاهَوَيْهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ فِي طِينٍ قَالَ يَأْخُذُ مِنَ الطِّينِ فَيَطْلِي بِهِ بَعْضَ جَسَدِهِ، فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغُبَارِ اللِّبَدِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّيَمُّمَ بِالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ وَالْجَصِّ وَالْجَوْهَرِ الْمَسْحُوقِ. قَالَ: فَإِذَا تَيَمَّمَ بِسِحَالَةِ «٢» الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ «٣» وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ. الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) الْمَسْحُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَكُونُ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، يُقَالُ: مَسَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إِذَا جَامَعَهَا. والمسح: مسح الشيء بالسيف


(١). الجمد (بالتحرك): الماء الجامد.
(٢). السحالة: برادة الذهب إلخ.
(٣). الصفر (بالضم): الذي تعمل منه الأواني.