مِنَ الْفُرُوضِ الْمُتَعَيِّنَةِ، قَالُوا: وَالسَّلَامُ خِلَافُ الرَّدِّ، لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ تَطَوُّعٌ وَرَدُّهُ فَرِيضَةٌ. وَلَوْ رَدَّ غَيْرُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَرْضَ الرَّدِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ يَلْزَمُ كُلَّ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، حَتَّى قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يَرُدُّ السَّلَامَ كَلَامًا إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُجْزِئُ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ). وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ مَدَنِيٌّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَجَعَلُوا حَدِيثَهُ هَذَا مُنْكَرًا، لِأَنَّهُ انْفَرَدَ فِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، على أن عبد الله ابن الْفَضْلِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، بَيْنَهُمَا الْأَعْرَجُ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يُسَلِّمُ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ). وَلِمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يُسَلِّمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْرِيرِهِ عَلَى عِدَادِ الْجَمَاعَةِ، كَذَلِكَ يَرُدُّ الْوَاحِدُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَيَنُوبُ عَنِ الْبَاقِينَ كَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنَ الْقَوْمِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ). قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي فِي الرَّدِّ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَجْزَأَ عَنْهُمْ إِلَّا فِيمَا قَدْ وَجَبَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ: هَكَذَا تَأَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا هَذَا الْحَدِيثَ وَجَعَلُوهُ حُجَّةً فِي جَوَازِ رَدِّ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ قَلَقٌ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) رَدُّ الْأَحْسَنِ أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، لِمَنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ. فَإِنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، زِدْتَ فِي ردك: وبركاته. وهذا النِّهَايَةُ فَلَا مَزِيدَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عن البيت الكريم (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ) على مأتي بَيَانُهُ «١» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنِ انْتَهَى بِالسَّلَامِ غَايَتَهُ، زِدْتَ فِي رَدِّكَ الْوَاوَ فِي أَوَّلِ كَلَامِكَ فَقُلْتَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَالرَّدُّ بِالْمِثْلِ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ كُلُّهُ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كان
(١). راجع ج ٩ ص ٧٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute