للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي مُرَاعَاةِ شُبْهَةِ مِلْكٍ كَالَّذِي يَسْرِقُ مِنَ الْمَغْنَمِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَرَقَ «١» مِغْفَرًا مِنَ الْخُمُسِ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَقَالَ: لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ. وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ تَعَلُّقًا بِعُمُومِ لَفْظِ آيَةِ «٢» السَّرِقَةِ. وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا تَصِحُّ سَرِقَتُهُ كَالْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الْكَبِيرِ، لِأَنَّ مَا لَا تَصِحُّ سَرِقَتُهُ كَالْعَبْدِ الْفَصِيحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَوَصْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحِرْزُ لِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ المسروق. وجملة القول فيه أن كل شي له مكان معروف فمكانه حرزه، وكل شي مَعَهُ حَافِظٌ فَحَافِظُهُ حِرْزُهُ، فَالدُّورُ وَالْمَنَازِلُ وَالْحَوَانِيتُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، غَابَ عَنْهَا أَهْلُهَا أَوْ حَضَرُوا، وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ حِرْزٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالسَّارِقُ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّرِقَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ حَقُّ كُلِّ مُسْلِمٍ بِالْعَطِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ الْمَالِ إِلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَلَا يُفَرِّقُهُ فِي النَّاسِ، أَوْ يُفَرِّقُهُ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ آخَرَ وَيَمْنَعُ مِنْهُ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، فَفِي التَّقْدِيرِ أَنَّ هَذَا السَّارِقَ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْمَغَانِمُ لَا تَخْلُو: أَنْ تَتَعَيَّنَ بِالْقِسْمَةِ، فَهُوَ مَا ذكرناه في بيت المال، أو تتعين بنفس التناول لمن شهد الوقعة، فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى قَدْرُ مَا سَرَقَ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ حَقِّهِ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ «٣». الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَظُهُورُ الدَّوَابِّ حِرْزٌ لِمَا حَمَلَتْ، وَأَفْنِيَةُ الْحَوَانِيتِ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهَا فِي مَوْقِفِ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَانُوتٌ، كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ أَمْ لَا، سُرِقَتْ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. وَكَذَلِكَ مَوْقِفُ الشَّاةِ فِي السُّوقِ مَرْبُوطَةً أَوْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ، وَالدَّوَابُّ عَلَى مَرَابِطِهَا مُحْرَزَةٌ، كَانَ مَعَهَا أَهْلُهَا أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي السُّوقِ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا حَافِظٌ، وَمَنْ رَبَطَهَا بِفِنَائِهِ أَوِ اتَّخَذَ مَوْضِعًا مَرْبِطًا لِدَوَابِّهِ فَإِنَّهُ حِرْزٌ لَهَا. وَالسَّفِينَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا وَسَوَاءُ كَانَتْ سَائِبَةً أَوْ مَرْبُوطَةً، فَإِنْ سُرِقَتِ السَّفِينَةُ نَفْسُهَا فَهِيَ كَالدَّابَّةِ إِنْ كَانَتْ سَائِبَةً فَلَيْسَتْ بِمُحْرَزَةٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا رَبَطَهَا فِي مَوْضِعٍ وَأَرْسَاهَا فِيهِ فَرَبْطُهَا حِرْزٌ،


(١). المغفر (بكسر الميم): زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
(٢). من ع.
(٣). كل الأصول لم تذكر الثالثة عشرة، إلا ك، ثم سقط منها التاسعة عشرة.