للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو آجلة، فإن كان شي مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى بِهِ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ وَفِعْلُ الْكَفَّارَةِ، وَلَا يَعْتَلُّ بِالْيَمِينِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ" «١»] البقرة: ٢٢٤] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ [أَيِ الذِي هُوَ أَكْثَرُ خَيْرًا. الْمُوَفِّيَةُ أَرْبَعِينَ- رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ [قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فِي حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ وَهُوَ يَنْوِي غَيْرَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ نِيَّتُهُ، وَلَا يَخْرُجْ بِهَا عَنْ إِثْمِ تِلْكَ الْيَمِينِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:] يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ [. وَرُوِيَ] يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ [خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لِطَالِبِهِ فِي حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ، وَاسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ، أَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ أَوْ شَفَتَيْهِ، أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ اسْتِثْنَاؤُهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ النِّيَّةَ نِيَّةُ الْمَحْلُوفِ لَهُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لَهُ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَوْفِيهِ لَهُ الْحَاكِمُ لَا عَلَى اخْتِيَارِ الْحَالِفِ، لِأَنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ مِنْهُ. هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ. الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مَعْنَاهُ لَمْ يَجِدْ فِي مِلْكِهِ أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، مِنَ الْإِطْعَامِ أَوِ الْكِسْوَةِ أَوْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ بِإِجْمَاعٍ، فَإِذَا عَدِمَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَشْيَاءَ صَامَ. وَالْعَدَمُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ إِمَّا بِمَغِيبِ الْمَالِ] عَنْهُ [«٢» أَوْ عَدَمِهِ، فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: يَنْتَظِرُ إِلَى بَلَدِهِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يُكَفِّرُ بِالصِّيَامِ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ] وَالشَّرْطِ مِنَ [«٣» الْعَدَمِ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِ الْأَمْرِ، فَلْيُكَفِّرْ مَكَانَهُ لِعَجْزِهِ عَنِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَمَنْ لَمْ يَجِدْ". وَقِيلَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ مَالِهِ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا قُوتُ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ فَضْلٌ يُطْعِمُهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ تَفْضُلُ عَنْهُ نَفَقَةُ يَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصُومُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ لِلْحَانِثِ


(١). راجع ج ٣ ص ٩٦.
(٢). من ج وهـ وع وك.
(٣). الزيادة عن ابن العربي.