فِيهِ ثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هَذَا خِطَابٌ عَامٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، وَهَذَا النَّهْيُ هُوَ الِابْتِلَاءُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ" الْآيَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا الْيَسَرِ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ «١» - كَانَ مُحْرِمًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِعُمْرَةٍ فَقَتَلَ حِمَارَ وَحْشٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ" لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ". الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) الْقَتْلُ هُوَ كُلُّ فِعْلٍ يُفِيتُ الرُّوحَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا النَّحْرُ وَالذَّبْحُ وَالْخَنْقُ وَالرَّضْخُ وَشِبْهُهُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الصَّيْدِ كُلَّ فِعْلٍ يَكُونُ مُفِيتًا لِلرُّوحِ. الثَّالِثَةُ- مَنْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ ذَبَحَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِقَتْلِهِ دُونَ أَكْلِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا أَكَلَ، يَعْنِي قيمته، وخالفه صاحباه فقالا: لا شي عَلَيْهِ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ، لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَيْتَةَ كَمَا لَوْ تَنَاوَلَ مَيْتَةً أُخْرَى، وَلِهَذَا لَوْ أَكَلَهَا مُحْرِمٌ آخَرُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ. وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَنَاوَلَ مَحْظُورَ إِحْرَامِهِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقَتْلِ هُوَ التَّنَاوُلُ، فَإِذَا كَانَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ- مَحْظُورٌ إِحْرَامُهُ- مُوجِبًا عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ كَانَ أَوْلَى. الرَّابِعَةُ- لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ذَبْحُ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ، لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الْمُحْرِمَ عَنْ قَتْلِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَبْحُ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ ذَكَاةٌ، وَتَعَلَّقَ بِأَنَّهُ ذَبْحٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ، مُضَافٌ إِلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ الْأَنْعَامُ، فَأَفَادَ مَقْصُودَهُ مِنْ حِلِّ الْأَكْلِ، أَصْلُهُ ذَبْحُ الْحَلَالِ. قُلْنَا: قَوْلُكُمْ ذَبْحٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فَالْمُحْرِمُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَبْحِ الصَّيْدِ، إذ الأهلية لا تستفاد
(١). كذا بالأصل، واسمه في (التهذيب) وغيره: كعب بن عمرو ... إلخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute