للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَقْلًا، وَإِنَّمَا يُفِيدُهَا الشَّرْعُ، وَذَلِكَ بِإِذْنِهِ فِي الذَّبْحِ، أَوْ بِنَفْيِهَا وَذَلِكَ بِنَهْيِهِ عَنِ الذَّبْحِ، وَالْمُحْرِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ، لِقَوْلِهِ:" لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ" فَقَدِ انْتَفَتِ الْأَهْلِيَّةُ بِالنَّهْيِ. وَقَوْلُكُمْ أَفَادَ مَقْصُودَهُ فَقَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا ذَبَحَ الصَّيْدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَكُمْ، فَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ لِلذَّابِحِ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَلَّا يُفِيدَهُ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْفَرْعَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فِي أَحْكَامِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مَا لَا يَثْبُتُ لِأَصْلِهِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" الصَّيْدَ" مَصْدَرٌ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ، فَأُوقِعَ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمَصِيدِ، وَلَفْظُ الصَّيْدِ هُنَا عَامٌّ فِي كُلِّ صَيْدٍ بَرِّيٍّ وَبَحْرِيٍّ حَتَّى جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً"] المائدة: ٩٦] فَأَبَاحَ صَيْدَ الْبَحْرِ إِبَاحَةً مُطْلَقَةً، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّادِسَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِ السِّبَاعِ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَتَخْصِيصِهَا مِنْهُ، فقال مالك: كل شي لَا يَعْدُو مِنَ السِّبَاعِ مِثْلُ الْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبْعِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلَا يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ، وَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ. قَالَ: وَصِغَارُ الذِّئَابِ لَا أَرَى أَنْ يَقْتُلَهَا الْمُحْرِمُ، فَإِنْ قَتَلَهَا فَدَاهَا، وَهِيَ مِثْلُ فِرَاخِ الْغِرْبَانِ. وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ كُلِّ مَا عَدَا عَلَى النَّاسِ فِي الْأَغْلَبِ، مِثْلِ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] خَمْسُ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ [الْحَدِيثَ، فَسَمَّاهُنَّ فُسَّاقًا، وَوَصَفَهُنَّ بِأَفْعَالِهِنَّ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ فَاعِلٌ [لِلْفِسْقِ] «١»، وَالصِّغَارُ لَا فِعْلَ لَهُنَّ، وَوَصَفَ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ وَأَوْلَادُهُ لَا تَعْقِرُ، فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذَا النَّعْتِ. قَالَ [الْقَاضِي] «٢» إِسْمَاعِيلُ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ مِمَّا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ عَلَى النَّاسِ. قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ، لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ الْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ، لِأَنَّهُمَا يَخْطَفَانِ اللَّحْمَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: إِنَّمَا أُذِنَ فِي قَتْلِ الْعَقْرَبِ لِأَنَّهَا ذَاتُ حُمَةٍ «٣»، وَفِي الْفَأْرَةِ لِقَرْضِهَا السِّقَاءَ «٤» وَالْحِذَاءَ اللَّذَيْنِ بِهِمَا قِوَامُ الْمُسَافِرِ. وفي الغراب


(١). من ك. [ ..... ]
(٢). من ك.
(٣). الحمة: السم أو الإبرة تضرب بها العقرب والزنبور ونحو ذلك.
(٤). السقاء: القربة.