للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْعَصَافِيرِ وَالْفِيَلَةِ فَقِيمَةُ لَحْمِهِ أَوْ عَدْلِهِ مِنَ الطَّعَامِ، دُونَ مَا يُرَادُ لَهُ مِنَ الْأَغْرَاضِ «١»، لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِيمَا لَهُ مِثْلُ وُجُوبٍ مِثْلُهُ، فَإِنْ عُدِمَ الْمِثْلُ فَالْقِيمَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ. وَلِأَنَّ النَّاسَ قَائِلَانِ- أَيْ عَلَى مَذْهَبَيْنِ- مُعْتَبِرٌ لِلْقِيمَةِ فِي جَمِيعِ الصَّيْدِ، وَمُقْتَصِرٌ بِهَا عَلَى مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ، فَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ. وَأَمَّا الْفِيلُ فَقِيلَ: فِيهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْهِجَانِ الْعِظَامِ الَّتِي لَهَا سَنَامَانِ، وَهِيَ بِيضٌ خُرَاسَانِيَّةٌ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شي مِنْ هَذِهِ الْإِبِلِ فَيُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ طَعَامًا، فَيَكُونُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ الْفِيلُ فِي مَرْكَبٍ، وَيُنْظَرُ إِلَى مُنْتَهَى مَا يَنْزِلُ الْمَرْكَبُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يُخْرَجُ الْفِيلُ وَيُجْعَلُ فِي الْمَرْكَبِ طَعَامٌ حَتَّى يَنْزِلَ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي نَزَلَ وَالْفِيلُ فِيهِ، وَهَذَا عَدْلُهُ مِنَ الطَّعَامِ. وَأَمَّا أَنْ يُنْظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ فَهُوَ يَكُونُ لَهُ ثَمَنٌ عَظِيمٌ لِأَجْلِ عِظَامِهِ وَأَنْيَابِهِ فَيَكْثُرُ الطَّعَامُ وَذَلِكَ ضَرَرٌ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) روى مالك عن عبد الملك ابن قُرَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثَغْرَةِ ثَنِيَّةٍ «٢»، فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ، فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ، فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ، هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ" الْمَائِدَةِ"؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُ سُورَةَ" الْمَائِدَةِ" لَأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:" يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ" وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ- إِذَا اتَّفَقَ الْحَكَمَانِ لَزِمَ الْحُكْمُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ. وَإِنِ اخْتَلَفَا نُظِرَ فِي غَيْرِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَأْخُذُ بِأَرْفَعِ مِنْ قَوْلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ. وَكَذَلِكَ


(١). في ى: الأغراض. بمعجمة. وباقي الأصول بمهملة.
(٢). الثنية: كل عقبة مسلوكة في الجبل.