للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَنْتَقِلُ عَنِ الْمِثْلِ الْخِلْقِيِّ إِذَا حَكَمَا بِهِ إِلَى الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ لَزِمَ، قال ابْنُ شَعْبَانَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِالْجَزَاءِ مِنَ الْمِثْلِ فَفَعَلَا، فَأَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى الطَّعَامِ جَازَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (الْعُتْبِيَّةِ): مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُخَيِّرَ الْحَكَمَانِ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ، كَمَا خَيَّرَهُ اللَّهُ فِي أَنْ يُخْرِجَ" هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً" فَإِنِ اخْتَارَ الْهَدْيَ حَكَمَا عَلَيْهِ بِمَا يَرَيَانِهِ نَظِيرًا لِمَا أَصَابَ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَدْلُ ذَلِكَ شَاةً لِأَنَّهَا أَدْنَى الْهَدْيِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ شَاةً حَكَمَا فِيهِ بِالطَّعَامِ ثُمَّ خُيِّرَ فِي أَنْ يُطْعِمَهُ، أَوْ يَصُومَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي (الْمُدَوَّنَةِ). الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- وَيُسْتَأْنَفُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا مَضَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ أَوْ لَمْ تَمْضِ، وَلَوِ اجْتَزَأَ بِحُكُومَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيمَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ كَانَ حَسَنًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَا عَدَا حَمَامَ مَكَّةَ وَحِمَارَ الْوَحْشِ وَالظَّبْيِ وَالنَّعَامَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْحُكُومَةِ، وَيُجْتَزَأُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بِحُكُومَةِ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَكُونُ الْجَانِي أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ، وَهَذَا تَسَامُحٌ مِنْهُ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَانِيًا وَحَكَمَيْنِ فَحَذْفُ بَعْضِ الْعَدَدِ إِسْقَاطٌ لِلظَّاهِرِ، وَإِفْسَادٌ لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ حُكْمَ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَاسْتَغْنَى بِنَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَزِيَادَةُ ثَانٍ إِلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْحُكْمِ بِرَجُلَيْنِ. الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- إِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مُحْرِمُونَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِقَضَاءِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ مَوَالِيَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ أَحْرَمُوا إِذْ مَرَّتْ بِهِمْ ضَبْعٌ فَحَذَفُوهَا «١» بِعِصِيِّهِمْ فَأَصَابُوهَا، فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَتَوْا ابْنَ عُمَرَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ كُلُّكُمْ كَبْشٌ، قَالُوا: أَوْ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنَّا كَبْشٌ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَمُعَزَّزٌ بِكُمْ «٢»، عَلَيْكُمْ كُلُّكُمْ كَبْشٌ. قال اللغويون: لمعزز بكم أي لمشدد


(١). الحذف: الرمي.
(٢). كان الموالي قد سألوا قبل ابن عمر- رضى الله عنه- صحابها فأمر لكل واحد منهم بكفارة، ثم سألوا ابن عمر، وأخبروه بفتيا الذي أفناهم، فقال: إنكم لمعزز بكم ... إلخ.