زِيَادَةٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرِهَا. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ- وَفِيهَا- وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ". وَالْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ أَنْفُسُهَا. قَالَ عَنْتَرَةُ:
إِنَّا إِذَا احْمَرَّ الْوَغَى نَرْوِي الْقَنَا
وَنَعِفُّ عِنْدَ مَقَاسِمِ الْأَنْفَالِ أَيِ الْغَنَائِمُ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَحِلِّ الْأَنْفَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ أقوال: الأول- محلها فيما شد عَنِ الْكَافِرِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَرْبٍ. الثَّانِي- مَحِلُّهَا الْخُمُسُ. الثَّالِثُ- خُمُسُ الْخُمُسِ. الرَّابِعُ- رَأْسُ الْغَنِيمَةِ، حَسَبَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَنْفَالَ مَوَاهِبُ الْإِمَامِ مِنَ الْخُمُسِ، عَلَى مَا يَرَى مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ نَفَلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرَ النَّفْلَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ أَهْلَهَا مُعَيَّنُونَ وَهُمُ الْمُوجِفُونَ «١»، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ قَسْمُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. وَأَهْلُهُ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ". فَلَمْ يُمْكِنْ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّفْلُ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْخُمُسُ. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً، وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَلَى الشَّكِّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْهُ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَلَمْ يَشُكَّ. وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ- فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ- وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْجَيْشِ- فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ: فَكُنْتُ مِمَّنْ خَرَجَ فِيهَا- فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَيْ عشر بعيرا، ونقل أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَاحْتَجَّ بِهَذَا من
(١). الموجفون: المحصلون بخيل وركاب. والإيجاف: سرعة السير.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute