الْإِسْلَامُ كَأُجْرَةِ الدَّارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنِ النَّصْرِ وَالْجِهَادِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ سِرُّ اللَّهِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ). قَالَ سُفْيَانُ: مَعْنَاهُ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ مَا وَجَبَتِ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ عَنْهُ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى:" حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ" لِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ يَزُولُ هَذَا الْمَعْنَى. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا فَلَا يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَالشَّافِعِيُّ لَا يَأْخُذُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا يَقُولُ: إِنَّ الْجِزْيَةَ دَيْنٌ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ السُّكْنَى أَوْ تَوَقِّي شَرِّ الْقَتْلِ، فَصَارَتْ كَالدُّيُونِ كُلِّهَا. التَّاسِعَةُ- لَوْ عَاهَدَ الْإِمَامُ أَهْلَ بَلَدٍ أَوْ حِصْنٍ ثُمَّ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ وَامْتَنَعُوا مِنْ أداء ما يلزمهم من الجزية وغير ها وَامْتَنَعُوا مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُظْلَمُوا وَكَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ جَائِرٍ عَلَيْهِمْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ غَزْوُهُمْ وَقِتَالُهُمْ مَعَ إِمَامِهِمْ. فَإِنْ قَاتَلُوا وَغُلِبُوا حَكَمَ فِيهِمْ بِالْحُكْمِ فِي دَارِ الحرب سواء. وقد قيل: هم ونساؤهم في وَلَا خُمُسَ فِيهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبٌ. الْعَاشِرَةُ- فَإِنْ خَرَجُوا مُتَلَصِّصِينَ قَاطِعِينَ الطَّرِيقَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِينَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا لَمْ يَمْنَعُوا الْجِزْيَةَ. وَلَوْ خَرَجُوا متظلمين نظر في أمر هم وَرُدُّوا إِلَى الذِّمَّةِ وَأُنْصِفُوا مِنْ ظَالِمِهِمْ وَلَا يُسْتَرَقُّ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَهُمْ أَحْرَارٌ. فَإِنْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَمَنْ لَمْ يَنْقُضْ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِنَقْضِ غَيْرِهِ وَتُعْرَفُ إِقَامَتُهُمْ على العهد بإنكار هم عَلَى النَّاقِضِينَ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- الْجِزْيَةُ وَزْنُهَا فِعْلَةٌ، مِنْ جَزَى يَجْزِي إِذَا كَافَأَ عَمَّا أُسْدِيَ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ أَعْطَوْهَا جَزَاءَ مَا مُنِحُوا مِنَ الْأَمْنِ، وَهِيَ كَالْقِعْدَةِ وَالْجِلْسَةِ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يُجْزِيكَ أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ كَمَنْ جَزَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute