للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ" أَنِّي" بِفَتْحِ الْأَلِفِ بِإِعْمَالِ النِّدَاءِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ. وَالْخَلْعُ النَّزْعُ. وَالنَّعْلُ مَا جَعَلْتَهُ وِقَايَةً لِقَدَمَيْكَ مِنَ الْأَرْضِ. فَقِيلَ: أُمِرَ بِطَرْحِ النَّعْلَيْنِ، لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ إِذْ هِيَ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ مُذَكًّى، قَالَهُ كَعْبٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: أُمِرَ بِذَلِكَ لِيَنَالَ بَرَكَةَ الْوَادِي الْمُقَدَّسِ، وَتَمَسَّ قَدَمَاهُ تُرْبَةَ الْوَادِي، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ لِلْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ عِنْدَ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ فَعَلَ السَّلَفُ حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ. وَقِيلَ: إِعْظَامًا لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُدْخَلُ بِنَعْلَيْنِ إِعْظَامًا لَهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْضَ حَافِيًا كَمَا تَدْخُلُ الْكَعْبَةَ حَافِيًا. وَالْعُرْفُ عِنْدَ الْمُلُوكِ أَنْ تُخْلَعَ النِّعَالُ وَيَبْلُغَ الْإِنْسَانُ إِلَى غَايَةِ التَّوَاضُعِ، فَكَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا تُبَالِي كَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ مَيْتَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى لِنَفْسِهِ رُكُوبَ دَابَّةٍ بِالْمَدِينَةِ بِرًّا بِتُرْبَتِهَا الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى الْأَعْظُمِ الشَّرِيفَةِ، وَالْجُثَّةِ الْكَرِيمَةِ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةِ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْهِ: (إِذَا كُنْتَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) قَالَ: فَخَلَعْتُهُمَا. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْرِيغِ قَلْبِهِ مِنْ أَمْرِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْأَهْلِ بِالنَّعْلِ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّعْبِيرِ: «١» مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَابِسُ نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُ. وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَسَطَ لَهُ بِسَاطَ النور والهدى، ولا ينبغي أن يطأ [على «٢»] بِسَاطَ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِنَعْلِهِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ فَرْضٍ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) «٣» [المدثر: ٥ - ٤ - ٣ - ٢] وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ- فِي الْخَبَرِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: زَارَ عَبْدُ اللَّهِ أَبَا مُوسَى فِي دَارِهِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَقَامَ أَبُو مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ: تَقَدَّمْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: تَقَدَّمْ أَنْتَ فِي دَارِكَ. فَتَقَدَّمَ وَخَلَعَ «٤» نَعْلَيْهِ، فقال عبد الله: أبا الوادي الْمُقَدَّسِ أَنْتَ؟! وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بن يزيد قال: قلت


(١). قوله في التعبير: يعنى تعبير الرؤيا.
(٢). من ب وج وز وط وى.
(٣). راجع ج ١٩ ص ٥٨ فما بعد. [ ..... ]
(٤). في ب وج وز وط: نزع.