للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَيْهَا فَقَالَ: ارْجِعِي خَلْفِي وَأَرْشِدِينِي إِلَى الطَّرِيقِ بِصَوْتِكِ وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى قَالَ ابْتِدَاءً: كُونِي وَرَائِي فَإِنِّي رَجُلٌ عِبْرَانِيٌّ لَا أَنْظُرُ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ، وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ يَمِينًا أَوْ يسارا، فذلك سبب وصفها [له] بالأمانة، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ. فَوَصَلَ مُوسَى إِلَى دَاعِيهِ فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَآنَسَهُ بِقَوْلِهِ:" لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" وَكَانَتْ مَدْيَنُ خَارِجَةً عَنْ مَمْلَكَةِ فِرْعَوْنَ وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ مُوسَى: لَا آكُلُ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَبِيعُ دِينَنَا بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا، فَقَالَ شُعَيْبٌ: لَيْسَ هَذَا عِوَضَ السَّقْيِ، وَلَكِنْ عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي قِرَى الضَّيْفِ، وَإِطْعَامُ الطعام، فحينئذ أكل موسى. الخامسة- قوله تعالى: (قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَشْرُوعَةً مَعْلُومَةً، وَكَذَلِكَ كَانَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الخليقة، ومصلحة الخلطة بين الناس، خلاف لِلْأَصَمِّ حَيْثُ كَانَ عَنْ سَمَاعِهَا أَصَمَّ. السَّادِسَةُ- قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) الْآيَةَ. فِيهِ عَرْضُ الولي ابنته عَلَى الرَّجُلِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، عَرَضَ صَالِحُ مَدْيَنَ ابْنَتَهُ عَلَى صَالِحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَرَضَ عمر ابن الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، وَعَرَضَتِ الْمَوْهُوبَةُ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنَ الْحَسَنِ عَرْضُ الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ، وَالْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ، اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: إِنْ شِئْتَ أُنْكِحُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، الْحَدِيثَ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ. السَّابِعَةُ- وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ إِلَى الْوَلِيِّ لَا حَظَّ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ، لِأَنَّ صَالِحَ مَدْيَنَ تَوَلَّاهُ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ مَضَى. الثَّامِنَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ الْبَالِغَ مِنْ غَيْرِ استيمار، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فِي الْبَابِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعَوِّلُ عَلَى الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الصَّغِيرَةُ فَلَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ إِلَّا بِرِضَاهَا، لِأَنَّهَا بَلَغَتْ