حَدَّ التَّكْلِيفِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّهُ لَا إِذْنَ لَهَا وَلَا رِضًا، بِغَيْرِ خِلَافٍ. التَّاسِعَةُ- اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ:" إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ" عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ عَلَى لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ. وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ وَمَالِكٌ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْمَشْهُورِ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَهُمْ لا يرونه حجة في شي فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ والثوري والحسن ابن حَيٍّ فَقَالُوا: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ قَدْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، قَالُوا: فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ قَالُوا: وَالَّذِي خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرِّي الْبُضْعِ مِنَ الْعِوَضِ لَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَتَابَعَهُمِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ: إِنْ وَهَبَ ابْنَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ إِنْكَاحَهَا فَلَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ كَالْبَيْعِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحٌ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بلفظ النكاح هبة شي مِنَ الْأَمْوَالِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّصْرِيحِ لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضِدُّ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاحَ لا ينعقد بقوله: أَبَحْتُ لَكَ وَأَحْلَلْتُ لَكَ فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ" يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَقْدُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّزْوِيجُ وَالنِّكَاحُ، وَفِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إِبْطَالُ بَعْضِ خُصُوصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَرْضٌ لَا عَقْدٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدًا لَعَيَّنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا لَهُ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وإن كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ بِثَمَنِ كَذَا، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ في النكاح، لأنه خيار وشئ مِنَ الْخِيَارِ لَا يُلْصَقُ بِالنِّكَاحِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَالَ مَكِّيٌّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَصَائِصُ فِي النِّكَاحِ مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الزَّوْجَةَ وَلَا حَدَّ أَوَّلَ الْأَمَدِ، وَجَعَلَ الْمَهْرَ إِجَارَةً، وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُدْ شَيْئًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute