للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَلَمَّا أَسْلَما" أَيِ انْقَادَا لِأَمْرِ اللَّهِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ" فَلَمَّا سَلَّمَا" أَيْ فَوَّضَا أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْتَسْلَمَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْلَمَ الْآخَرُ ابْنَهُ." وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" قَالَ قَتَادَةُ: كَبَّهُ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَجَوَابُ" لَمَّا" مَحْذُوفٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرَهُ" فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" فَدَيْنَاهُ بِكَبْشٍ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْجَوَابُ" نَادَيْنَاهُ" وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ مُقْحَمَةٌ، كَقَوْلِهِ:" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا" [يوسف: ١٥] أَيْ أَوْحَيْنَا. وَقَوْلُهُ:" وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ" [الأنبياء: ٩٦]." وَاقْتَرَبَ" أي اقترب. وقوله:" حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وقال" [الزمر: ٧٣] أَيْ قَالَ لَهُمْ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فَلَمَّا أجز نا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى «١»

أَيِ انْتَحَى، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ. وقال أيضا:

حتى إذا حملت بطونكم ... وورأيتم أبناءكم شبوا

وقلبتم ظهر المجن لنا ... وإن اللَّئِيمَ الْفَاجِرُ الْخِبُّ

أَرَادَ قَلَبْتُمْ. النَّحَّاسُ: وَالْوَاوُ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُزَادَ. وَفِي الْخَبَرِ: إِنَّ الذَّبِيحَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَرَادَ ذَبْحَهُ: يَا أَبَتِ اشْدُدْ رِبَاطِي حَتَّى لَا أَضْطَرِبَ، وَاكْفُفْ ثِيَابَكَ لِئَلَّا ينتضح عليها شي مِنْ دَمِي فَتَرَاهُ أُمِّي فَتَحْزَنَ، وَأَسْرِعْ مَرَّ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِي لِيَكُونَ الْمَوْتُ أَهْوَنَ عَلَيَّ وَاقْذِفْنِي لِلْوَجْهِ، لِئَلَّا تَنْظُرَ إِلَى وَجْهِي فَتَرْحَمَنِي، وَلِئَلَّا أَنْظُرَ إِلَى الشَّفْرَةِ فَأَجْزَعَ، وَإِذَا أَتَيْتَ إِلَى أُمِّي فَأَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ. فَلَمَّا جَرَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السِّكِّينَ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَفِيحَةً مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمْ تَعْمَلِ السِّكِّينُ شَيْئًا، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ عَلَى جَبِينِهِ وَحَزَّ فِي قفاه فلم تعمل السكين شيئا، فذلك قو له تَعَالَى:" وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ كَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فَنُودِيَ" يَا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا" فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِكَبْشٍ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لَمَّا اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ وَتَهَيَّأَ لِلْعَمَلِ، هذا بهيئة


(١). تمامه:
بنا بطن خبت ذى قفاف عقنقل