قَالَ ثَعْلَبٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وجل ها هنا" بَعْلًا" فقالت طائفة: البعل ها هنا الصنم. وقال طائفة: البعل ها هنا مَلَكٌ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: امْرَأَةٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَتَدْعُونَ بَعْلًا" قَالَ: صَنَمًا. وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَتَدْعُونَ بَعْلًا" قَالَ: رَبًّا. النَّحَّاسُ: وَالْقَوْلَانِ صَحِيحَانِ، أَيْ أَتَدْعُونَ صَنَمًا عَمِلْتُمُوهُ رَبًّا. يُقَالُ: هَذَا بَعْلُ الدَّارِ أَيْ رَبُّهَا. فَالْمَعْنَى أَتَدْعُونَ رَبًّا اخْتَلَقْتُمُوهُ، وَ" أَتَدْعُونَ" بِمَعْنَى أَتُسَمُّونَ. حَكَى ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: الْبَعْلُ الرَّبُّ بِلُغَةِ الْيَمَنِ. وَسَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَسُومُ نَاقَةً بِمِنًى فَقَالَ: مَنْ بَعْلُ هَذِهِ؟. أَيْ مَنْ رَبُّهَا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا. قَالَ أبو دواد «١»:
ورأيت بعلك في الوغى ... ومتقلدا سَيْفًا وَرُمْحَا
مُقَاتِلٌ: صَنَمٌ كَسَّرَهُ إِلْيَاسُ وَهَرَبَ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، فُتِنُوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ حَتَّى أَخْدَمُوهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَادِنٍ وَجَعَلُوهُمْ أَنْبِيَاءَهُ، فَكَانَ الشَّيْطَانُ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ بَعْلٍ وَيَتَكَلَّمُ بِشَرِيعَةِ الضَّلَالَةِ، وَالسَّدَنَةُ يَحْفَظُونَهَا وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ، وَهُمْ أَهْلُ بَعْلَبَكَّ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ. وَبِهِ سُمِّيَتْ مَدِينَتُهُمْ بَعْلَبَكَّ كَمَا ذَكَرْنَا." وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ" أَيْ أَحْسَنُ مَنْ يُقَالُ لَهُ خَالِقٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَحْسَنُ الصَّانِعِينَ، لِأَنَّ النَّاسَ يَصْنَعُونَ وَلَا يخلقون ن." اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" بِالنَّصْبِ فِي الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ قَرَأَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ. وَإِلَيْهَا يَذْهَبُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهَا عَلَى النَّعْتِ. النَّحَّاسُ: وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَدَلِ وَلَا يجوز النعت ها هنا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْلِيَةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ بِالرَّفْعِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بِمَعْنَى هُوَ اللَّهُ رَبُّكُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَوْلَى مِمَّا قَالَ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ بِغَيْرِ إِضْمَارٍ وَلَا حَذْفٍ. وَرَأَيْتُ عَلِيَّ بن سليمان يذهب إلى أن الرفع
(١). هكذا في كل نسخ الأصل ونسبه في الكامل لعبد الله بن الزبعرى ورواء كما في المعاجم: يا ليت زوجك في الوغى إلخ وقد مضى للمصنف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute