للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي النَّارِ أَوْ يَجْزَعُوا" فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ" أَيْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنْهَا، وَدَلَّ عَلَى الْجَزَعِ قَوْلُهُ:" وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا" لِأَنَّ الْمُسْتَعْتَبَ جَزِعٌ وَالْمُعْتِبُ الْمَقْبُولُ عِتَابُهُ، قَالَ النَّابِغَةُ:

فَإِنْ أَكُ مظلوما فعبد ظلمته ... - إن تَكُ ذَا عُتْبَى فَمِثْلُكُ يُعْتِبُ

أَيْ مِثْلُكَ مَنْ قَبِلَ الصُّلْحَ وَالْمُرَاجَعَةَ إِذَا سُئِلَ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِتَابُ مُخَاطَبَةُ الْإِدْلَالِ وَمُذَاكَرَةُ الْمُوجِدَةِ. تَقُولُ: عَاتَبْتُهُ مُعَاتَبَةً، وَبَيْنَهُمْ أُعْتُوبَةٌ يَتَعَاتَبُونَ بِهَا. يُقَالُ: إِذَا تَعَاتَبُوا أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُمُ الْعِتَابُ. وَأَعْتَبَنِي فُلَانٌ: إِذَا عَادَ إِلَى مَسَرَّتِي رَاجِعًا عَنِ الْإِسَاءَةِ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعُتْبَى، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَعْتُوبِ عَلَيْهِ إِلَى مَا يُرْضِي الْعَاتِبَ. وَاسْتَعْتَبَ وَأَعْتَبَ بِمَعْنًى، وَاسْتَعْتَبَ أَيْضًا طَلَبَ أَنْ يُعْتَبَ، تَقُولُ: اسْتَعْتَبْتُهُ فَأَعْتَبَنِي أَيِ اسْتَرْضَيْتُهُ فَأَرْضَانِي. فَمَعْنَى" وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا" أَيْ طَلَبُوا الرِّضَا لَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ النَّارِ. وَفِي التَّفَاسِيرِ: وَإِنْ يَسْتَقِيلُوا رَبَّهُمْ فَمَا هُمْ مِنَ الْمُقَالِينَ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ" وَإِنْ يُسْتَعْتَبُوا" بِفَتْحِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ وَضَمِّ الْيَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ" فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ" بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ إِنْ أَقَالَهُمُ اللَّهُ وَرَدَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا لَمْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الشَّقَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ" [الأنعام: ٢٨] ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يُقَالُ أَعْتَبَ إِذَا غَضِبَ وَأَعْتَبَ إِذَا رَضِيَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ" قَالَ النَّقَّاشُ: أَيْ هَيَّأْنَا لَهُمْ شَيَاطِينَ. وَقِيلَ: سَلَّطْنَا عَلَيْهِمْ قُرَنَاءَ يُزَيِّنُونَ عِنْدَهُمُ الْمَعَاصِي، وَهَؤُلَاءِ الْقُرَنَاءُ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَمِنَ الْإِنْسِ أَيْضًا، أَيْ سَبَّبْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ، يُقَالُ: قَيَّضَ اللَّهُ فُلَانًا لِفُلَانٍ أَيْ جَاءَهُ بِهِ وَأَتَاحَهُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ". الْقُشَيْرِيُّ: وَيُقَالُ قَيَّضَ اللَّهُ لِي رِزْقًا أَيْ أَتَاحَهُ كَمَا كُنْتُ أَطْلُبُهُ، وَالتَّقْيِيضُ الْإِبْدَالُ وَمِنْهُ الْمُقَايَضَةُ، قَايَضْتُ الرَّجُلَ مُقَايَضَةً أَيْ عَاوَضْتُهُ بِمَتَاعٍ، وَهُمَا قَيْضَانِ كَمَا تَقُولُ بَيْعَانِ." فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَحَسَّنُوهُ لَهُمْ حَتَّى آثَرُوهُ عَلَى الْآخِرَةِ" وَما خَلْفَهُمْ" حَسَّنُوا لَهُمْ مَا بَعْدَ مَمَاتِهِمْ وَدَعَوْهُمْ إِلَى التَّكْذِيبِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ" فِي النَّارِ" فَزَيَّنُوا لَهُمْ" أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَعْنَى قَدَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ وَحَكَمْنَا بِهِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَحْوَجْنَاهُمْ إِلَى الْأَقْرَانِ، أَيْ أَحْوَجْنَا