للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّ الرُّسُلَ مُؤَيَّدُونَ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ عَنْ بَعْضِ الْغَائِبَاتِ، وَفِي التَّنْزِيلِ «١»: وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران: ٤٩]. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَيْ لَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى أَيِ اصْطَفَى لِلنُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غيبه «٢»: ليكون ذلك دالا على نبوته. الثانية- قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: لَمَّا تَمَدَّحَ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ دُونَ خَلْقِهِ، كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَحَدٌ سِوَاهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنِ ارْتَضَاهُ مِنَ الرُّسُلِ، فَأَوْدَعَهُمْ مَا شَاءَ مِنْ غَيْبِهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلَهُ مُعْجِزَةً لَهُمْ وَدِلَالَةً صَادِقَةً عَلَى نُبُوَّتِهِمْ. وَلَيْسَ الْمُنَجِّمُ وَمَنْ ضَاهَاهُ مِمَّنْ يَضْرِبُ بِالْحَصَى وَيَنْظُرُ فِي الْكُتُبِ وَيَزْجُرُ بِالطَّيْرِ مِمَّنِ ارْتَضَاهُ مِنْ رَسُولٍ فَيُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ، بَلْ هُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِحَدْسِهِ وَتَخْمِينِهِ وَكَذِبِهِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَلَيْتَ شِعْرِي مَا يَقُولُ الْمُنَجِّمَ فِي سَفِينَةٍ رَكِبَ فِيهَا أَلْفُ إِنْسَانٍ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، وَتَبَايُنِ رُتَبِهِمْ، فِيهِمُ الْمَلِكُ وَالسُّوقَةُ، وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، مَعَ اخْتِلَافِ طَوَالِعِهِمْ، وَتَبَايُنِ مَوَالِيدِهِمْ، وَدَرَجَاتِ نُجُومِهِمْ، فَعَمَّهُمْ حُكْمُ الْغَرَقِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ الْمُنَجِّمُ قَبَّحَهُ اللَّهُ: إِنَّمَا أَغْرَقَهُمُ الطَّالِعُ الَّذِي رَكِبُوا فِيهِ، فَيَكُونُ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الطَّالِعَ أَبْطَلَ أَحْكَامَ تِلْكَ الطَّوَالِعِ كُلِّهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا عِنْدَ وِلَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَا يَقْتَضِيهِ طَالِعُهُ الْمَخْصُوصُ بِهِ، فَلَا فَائِدَةَ أَبَدًا فِي عَمَلِ الْمَوَالِيدِ، وَلَا دِلَالَةَ فِيهَا عَلَى شَقِيٍّ وَلَا سَعِيدٍ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُعَانَدَةُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَفِيهِ اسْتِحْلَالُ دَمِهِ عَلَى هَذَا التَّنْجِيمِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الشَّاعِرُ حَيْثُ قَالَ:

حَكَمَ الْمُنَجِّمُ أَنَّ طَالِعَ مَوْلِدِي ... يَقْضِي عَلَيَّ بِمِيتَةِ الْغَرَقِ

قُلْ لِلْمُنَجِّمِ صُبْحَةَ الطُّوفَانِ هَلْ ... وُلِدَ الْجَمِيعُ بِكَوْكَبِ الْغَرَقِ

وَقِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه لَمَّا أَرَادَ لِقَاءَ الْخَوَارِجِ: أَتَلْقَاهُمْ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ؟ فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَيْنَ قَمَرُهُمْ؟ وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ. فَانْظُرْ إِلَى هذه


(١). راجع ج ٤ ص ٩٥.
(٢). في ح: (من غيبه بطريق الوحى إليهم ليكون .. ).