للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكَلِمَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالتَّنْجِيمِ، وَالْإِفْحَامِ لِكُلِّ جَاهِلٍ يُحَقِّقُ أَحْكَامَ النُّجُومِ. وَقَالَ لَهُ مُسَافِرُ بْنُ عَوْفٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا تَسِرْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَسِرْ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَمْضِينَ مِنَ النَّهَارِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلِمَ؟ قَالَ: إِنَّكَ إِنْ سِرْتَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَصَابَكَ وَأَصَابَ أَصْحَابَكَ بَلَاءٌ وَضُرٌّ شَدِيدٌ، وَإِنْ سِرْتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِهَا ظَفِرْتَ وَظَهَرْتَ وَأَصَبْتَ مَا طَلَبْتَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَجِّمٌ، وَلَا لَنَا مِنْ بَعْدِهِ «١» - مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَحْتَجُّ فِيهِ بِآيَاتٍ مِنَ التَّنْزِيلِ- فَمَنْ صَدَّقَكَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَمْ آمَنْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَمَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا أَوْ ضِدًّا، اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ. ثُمَّ قَالَ لِلْمُتَكَلِّمِ: نُكَذِّبُكَ وَنُخَالِفُكَ وَنَسِيرُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَنْهَانَا عَنْهَا. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَإِنَّمَا الْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ، وَالسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ فِي النَّارِ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنْظُرُ فِي النُّجُومِ وَتَعْمَلُ بِهَا لَأُخَلِّدَنَّكَ فِي الْحَبْسِ مَا بَقِيتَ وَبَقِيتُ، وَلَأَحْرِمَنَّكَ الْعَطَاءَ مَا كَانَ لِي سُلْطَانٌ. ثُمَّ سَافَرَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا، وَلَقِيَ الْقَوْمَ فَقَتَلَهُمْ وَهِيَ وَقْعَةُ النَّهْرَوَانِ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ سِرْنَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا وَظَفِرْنَا وَظَهَرْنَا لَقَالَ قَائِلٌ سَارَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْمُنَجِّمُ، مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَجِّمٌ وَلَا لَنَا مِنْ بَعْدِهِ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِلَادَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَسَائِرَ الْبُلْدَانِ- ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَثِقُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي مِمَّنْ سِوَاهُ. (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) يَعْنِي مَلَائِكَةً يَحْفَظُونَهُ عَنْ أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ شَيْطَانٌ، فَيَحْفَظُ الْوَحْيَ مِنِ اسْتِرَاقِ الشَّيَاطِينِ وَالْإِلْقَاءِ إِلَى الْكَهَنَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا وَمَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ عَنْ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِصُورَةِ الْمَلَكِ، فَإِذَا جَاءَهُ شَيْطَانٌ فِي صُورَةِ الْمَلَكِ قَالُوا: هَذَا شَيْطَانٌ فَاحْذَرْهُ. وَإِنْ جَاءَهُ الْمَلَكُ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ رَبِّكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ: رَصَداً أَيْ حَفَظَةً يَحْفَظُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمَامِهِ وَوَرَائِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ. قَالَ قَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَفَظَةٌ. وَقَالَ الفراء: المراد جبريل، كان


(١). جملة: (من بعده) ساقطة من ا، ح.