الله صلى الله عيه وَسَلَّمَ قَالَ: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي). قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ) الْإِخْبَارَ عَنْ [وُجُوبِ «١»] وُقُوعِ الْإِجَابَةِ، وَالْإِخْبَارِ عَنْ جَوَازِ وُقُوعِهَا، فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْوُجُوبِ وَالْوُقُوعِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَإِذَا قَالَ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي، بَطَلَ وُقُوعُ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ وَعَرِيَ الدُّعَاءُ مِنْ جَمِيعِهَا. وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى جَوَازِ الْإِجَابَةِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ بِفِعْلِ مَا دَعَا بِهِ خَاصَّةً، وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ، لِي، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقُنُوطِ وَضَعْفِ الْيَقِينِ وَالسَّخَطِ. قُلْتُ: وَيَمْنَعُ مِنْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ أَيْضًا أَكْلُ الْحَرَامِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِبْعَادِ مِنْ قَبُولِ دُعَاءِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَإِنَّ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شُرُوطٍ فِي الدَّاعِي وَفِي الدُّعَاءِ وَفِي الشَّيْءِ الْمَدْعُوِّ بِهِ. فَمِنْ شَرْطِ الدَّاعِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنْ لَا قَادِرَ عَلَى حَاجَتِهِ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ الْوَسَائِطَ فِي قَبْضَتِهِ وَمُسَخَّرَةٌ بِتَسْخِيرِهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَأَلَّا يَمَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ. وَمِنْ شَرْطِ الْمَدْعُوِّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ الطَّلَبِ وَالْفِعْلِ شَرْعًا، كَمَا قَالَ: (مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) فَيَدْخُلُ فِي الْإِثْمِ كُلُّ مَا يَأْثَمُ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَدْخُلُ فِي الرَّحِمِ جَمِيعُ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَمَظَالِمِهِمْ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: شُرُوطُ الدُّعَاءِ سَبْعَةٌ: أَوَّلُهَا التَّضَرُّعُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَالْمُدَاوَمَةُ وَالْخُشُوعُ وَالْعُمُومُ وَأَكْلُ الْحَلَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: إِنَّ لِلدُّعَاءِ أَرْكَانًا وَأَجْنِحَةً وَأَسْبَابًا وَأَوْقَاتًا، فَإِنْ وَافَقَ أَرْكَانَهُ قَوِيَ، وَإِنْ وَافَقَ أَجْنِحَتَهُ طَارَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ مَوَاقِيتَهُ فَازَ، وَإِنْ وَافَقَ أَسْبَابَهُ أَنْجَحَ. فَأَرْكَانُهُ حُضُورُ الْقَلْبِ وَالرَّأْفَةُ وَالِاسْتِكَانَةُ وَالْخُشُوعُ، وَأَجْنِحَتُهُ الصِّدْقُ، وَمَوَاقِيتُهُ الْأَسْحَارُ، وَأَسْبَابُهُ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه
(١). زيادة عن الموطأ يقتضيها السياق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute