وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: شَرَائِطُهُ أَرْبَعٌ- أَوَّلُهَا حِفْظُ الْقَلْبِ عِنْدَ الْوَحْدَةِ، وَحِفْظُ اللِّسَانِ مَعَ الْخَلْقِ، وَحِفْظُ الْعَيْنِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَحِفْظُ الْبَطْنِ مِنَ الْحَرَامِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مِنْ شَرْطِ الدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِنَ اللَّحْنِ، كَمَا أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
يُنَادِي رَبَّهُ بِاللَّحْنِ ليث ... كذاك إذا دعاه لا يجيب
وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: مَا بَالُنَا نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ فَلَمْ تُطِيعُوهُ، وَعَرَفْتُمُ الرَّسُولَ فَلَمْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، وَعَرَفْتُمُ الْقُرْآنَ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَأَكَلْتُمْ نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ تُؤَدُّوا شُكْرَهَا، وَعَرَفْتُمُ الْجَنَّةَ فَلَمْ تَطْلُبُوهَا، وَعَرَفْتُمُ النَّارَ فَلَمْ تَهْرُبُوا مِنْهَا، وَعَرَفْتُمُ الشَّيْطَانَ فَلَمْ تُحَارِبُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ، وَعَرَفْتُمُ الْمَوْتَ فَلَمْ تَسْتَعِدُّوا لَهُ، وَدَفَنْتُمُ الْأَمْوَاتَ فَلَمْ تَعْتَبِرُوا، وَتَرَكْتُمْ عُيُوبَكُمْ وَاشْتَغَلْتُمْ بِعُيُوبِ النَّاسِ. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَوْفٍ الْبَكَالِيِّ: يَا نَوْفُ، إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ أَنْ مُرْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، وَأَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ، وَأَيْدٍ نَقِيَّةٍ، فَإِنِّي لا أستجيب لاحد منهم، ما دام لاحد من خلقي مَظْلِمَةٌ. يَا نَوْفُ، لَا تَكُونَنَّ شَاعِرًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شَرْطِيًّا وَلَا جَابِيًا وَلَا عَشَّارًا «١»، فَإِنَّ دَاوُدَ قَامَ فِي سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو عَبْدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَرِيفًا أَوْ شَرْطِيًّا أَوْ جَابِيًا أَوْ عَشَّارًا، أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ، وَهِيَ الطُّنْبُورُ، أَوْ صَاحِبُ كُوبَةٍ، وَهِيَ الطَّبْلُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَلَا يَقُلِ الدَّاعِي: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، بَلْ يُعَرِّي سُؤَالَهُ وَدُعَاءَهُ مِنْ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ، وَيَسْأَلُ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ:" إِنْ شِئْتَ" نَوْعٌ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَغْفِرَتِهِ وَعَطَائِهِ وَرَحْمَتِهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَافْعَلْ، لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا إِلَّا مَعَ الْغِنَى عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْزِمُ فِي مَسْأَلَتِهِ وَيَسْأَلُ سُؤَالَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ إِلَى ما سأله. روى الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن
(١). العريف: الذي يلي أمور طائفة من الناس ويتعرف أمورهم ويبلغها للأمير. والشرطي (كتركي وكجهني): هم أعوان الحاكم. والعشار: من يتولى أخذ أعشار الأموال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute