للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَامِسَةُ- رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: كَانَ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، حَيَوَانُهُ بِلَحْمِهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْمُزَابَنَةِ «١» وَالْغَرَرِ «٢» وَالْقِمَارِ، لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ فِي الْحَيَوَانِ مِثْلُ اللَّحْمِ الَّذِي أَعْطَى أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا، فَكَانَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ فِي جِلْدِهِ إِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَالْجِنْسُ الْوَاحِدُ عِنْدَهُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالظِّبَاءُ وَالْوُعُولُ وَسَائِرُ الْوُحُوشِ، وَذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الْمَأْكُولَاتُ كُلُّهَا عِنْدَهُ جنس واحد، لا يجوز بيع شي مِنْ حَيَوَانِ هَذَا الصِّنْفِ وَالْجِنْسِ كُلِّهِ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ لَحْمِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْمُزَابَنَةِ، كَبَيْعِ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالطَّيْرُ عِنْدَهُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ الْحِيتَانُ مِنْ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجَرَادَ وَحْدَهُ صنف. وقال الشافعي وأصحابه والليث ابن سَعْدٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ أَمْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، عَلَى عُمُومِ الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقُسِمَتْ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَعْطُونِي جُزْءًا مِنْهَا بِشَاةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصْلُحُ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْتُ أَعْلَمُ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ الشَّاةِ بِاللَّحْمِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ، يَعْنِي الشَّاةَ الْمَذْبُوحَةَ بِالْقَائِمَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَنَحْنُ لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا. قَالَ الْمُزَنِيُّ: إِنْ لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ صَحَّ بَطَلَ الْقِيَاسُ وَاتُّبِعَ الْأَثَرُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلِلْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّهُ جَائِزٌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ حُجَجٌ كَثِيرَةٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ، إلا أنه إذا صح الأثر بطل


(١). المزابنة: بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر. وعند مالك: كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه بيع بمسمى من مكيل وموزون ومعدود، أو بيع معلوم بمجهول من جنسه، أو بيع مجهول بمجهول من جنسه.
(٢). الغرر: بيع السمك في الماء والطير في الهواء. وقيل: ما كان له ظاهر يغر المشترى وباطن مجهول. وقال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة التي يحيط بكنهها المتبايعان حتى تكون معلومة.