للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ، وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمَرَاسِيلَ إِلَّا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ افْتَقَدَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ فَوَجَدَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا صِحَاحًا. فَكَرِهَ بَيْعَ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ بِأَنْوَاعِ اللُّحُومِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَعُمُومِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَثَرٌ يَخُصُّهُ وَلَا إِجْمَاعٌ. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُخَصَّ النَّصُّ بِالْقِيَاسِ. وَالْحَيَوَانُ عِنْدَهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْمَاءِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ، كَالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ، فَاعْلَمْ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ فِيهِما) يَعْنِي الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ (إِثْمٌ كَبِيرٌ) إِثْمُ الْخَمْرِ مَا يَصْدُرُ عَنِ الشَّارِبِ مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ الْفُحْشِ وَالزُّورِ، وَزَوَالِ الْعَقْلِ الَّذِي يَعْرِفُ بِهِ مَا يَجِبُ لِخَالِقِهِ، وَتَعْطِيلِ الصَّلَوَاتِ وَالتَّعَوُّقِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ. قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا. قَالَ: زِيدُونِي، فَلَمْ يَرِمْ «١» حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ، إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْأَعْشَى لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُسْلِمَ فَلَقِيَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ يُرِيدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَا تَصِلُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُكَ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: إِنَّ خِدْمَةَ الرَّبِّ وَاجِبَةٌ. فَقَالُوا: إِنَّهُ يَأْمُرُكَ بِإِعْطَاءِ المال إلى الفقراء. فقال:


(١). يرم (بفتح الياء وكسر الراء من رام يريم): أي فلم يبرح.