للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمَضَيْتُ ذلِكَ الوَقْتِ إِلَى "الدُّوْرِ" قَالَ الوَزِيْرُ فَلَمَّا عُدْتُ أَنَا وَالمُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ تَعَالى (١) مِنْ حِصَارِ قَلْعَةِ "تَكْرِيْتَ" (٢) مَرَرْنَا بِتِلْكَ القَرْيَةِ، فَسَأَلَنِي المُقْتَفِي عَنْهَا؟ فَقُلْتُ: هَذِه النَّاحِيَةُ لِلْوُكَلَاءِ أَجَلَّهُمُ اللهُ تَعَالَى. فَقَالَ: لَئِنْ تَكُوْنُ لَكَ، إذْ هِيَ فِي جِوَارِكَ أَصْلَحُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَنَا، فَتَقَدَّمَ إِلَى عُمَّالِكَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا، فَذَكَرْتُ لَهُ حِيْنَئِذٍ حَالَتِي بِهَا، وَقُلْتُ لَهُ: فَمِنْ بَرَكَةِ ذلِكَ الفِعْلُ رُزِقْتُ القُرْبَ مِنْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَتَمَلُّكَ النَّاحِيَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنِّي لَهَا، فَاسْتَظْرَفَ ذلِكَ مِنِّي، وَكَثُرَ تَعَجُّبُهُ مِنْهُ. قَالَ: وَكَانَ الوَزِيْرُ شَدِيْدَ التَّوَاضُعِ، رَافِضًا لِلْكِبْرِ، شَدِيْدَ الإِيْثَارِ لِمُجَالسَةِ أَرْبَابِ الدِّيْنِ وَالفُقَرَاءِ، بِحَيْثُ سَمِعْتُهُ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ يَقُوْلُ لِبَعْضِ الفُقَرَاءِ وَهُوَ يُخَاطِبُهُ: أَنْتَ أَخِي، وَالمُسْلِمُوْنَ كُلُّهُمْ إِخْوَةٌ.

قَالَ: وَلَقَدْ كُنَّا يَوْمًا بِالمَجْلِسِ عَلَى العَادَةِ لِسَمَاعِ الحَدِيثِ، إِذْ دَخَلَ حَاجِبُهُ أَبُو الفَضَائِلِ بْنُ تُرْكَانَ فَسَارَّ الوَزِيْرُ بِشِيءٍ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ الوَزِيْرُ: أَدْخِلِ الرَّجُلَ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَأَبْطَأَ؛ فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلَ؟ فَقَالَ الحَاجِب: إِنَّ مَعَهُ شَمْلَةَ صُوفٍ مُكَوَّرَةً، وَقَدْ قُلْتُ لَهُ: اتْرُكْهَا مَعَ أَحَدِ الغِلْمَانِ خَارِجًا عَنِ السِّتْرِ وَادْخُل، قَالَ: لَا أَدْخُلُ إِلَّا وَهِيَ مَعِي، فَقَالَ لَهُ الوَزِيْرُ: دَعْهُ يَدْخُلُ وَهِيَ مَعَهُ، فَخَرَجَ وَعَادَ، وَإِذَا مَعَهُ شَيْخٌ طِوَالٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ، وَعَلَيْهِ فُوْطَةُ قُطْنٍ، وَثَوْبُ خَامٍ، وَفِي رِجْلَيْهِ جُمْجُمَانِ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلْوَزِيْرِ: يَا سَيِّدِي، إِنَّ أُمَّ فُلَانٍ يَعْنِي: - أُمَّ وَلَدِهِ -


(١) ساقط من (ط).
(٢) مُعْجَمُ البُلْدَانِ (٢/ ٤٥).