للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَسَقَطَ مِنَ السَّقْفِ أفْعَى عَظِيْمَةُ المِقْدَارِ عَلَى كَتِفِ الوَزِيْرِ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ وَحَوَاشِي الخِدْمَةِ إِلَّا خَرَجَ أَوْ قَامَ عَنْ مَوْضِعِهِ إِلَّا الوَزِيْرَ، فَإِنَّهُ الْتَفَتَ إِلَى الأَفْعَى وَهِيَ تَسْرَحُ عَلَى كُمِّهِ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى الأَرْضِ، وَبَادَرَ المَمَالِيْكُ فَقَتَلُوْهَا، وَلَمْ يَتَحَرَّكِ الوَزِيْرُ عَنْ بُقْعَتِهِ، وَلَا تَغَيَّرَ فِي هَيْئَتِهِ وَلَا عِبَارَتِهِ.

وَلِلْوَزِيْرِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - مِنَ الكَلَامِ الحَسَنِ، وَالفَوَائِدِ المُسْتحْسَنَةِ، وَالاْسْتِنْبَاطَاتِ الدَّقِيقَةِ مِنْ كَلَامِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ مَا هُوَ كَثِيْرٌ جِدًّا، وَلَهُ مِنَ الحِكَمِ وَالمَوَاعِظِ وَالكَلَامِ فِي أُصُولِ السُّنَّةِ وَذَمِّ مَنْ خَالَفَهَا، شَيْءٌ كَثِيْرٌ أَيْضًا، وَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ ذلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي "المُقْتَبِسِ": سَمِعْتُ الوَزِيْرَ يَقُوْلُ: الآيَاتُ اللَّوَاتِي فِي الأَنْعَامِ (١): {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} مُحْكَمَاتٌ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الآيَةِ الأُولَى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، وَفِي الثَّانِيَةِ: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَفِي الثَّالِثَة: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ لِأَنَّ كُلَّ آيَةٍ يَلِيْقُ بِهَا ذلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الأُوْلَى: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وَالعَقْلُ يَشْهَدُ أَنَّ الخَالِقَ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَيَدْعُو العَقْلُ إِلَى بِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الوَلَدِ، وَإِتْيَانِ الفَوَاحِشِ؛ لأَنَّ الإِنْسَانَ يَغَارُ مِنَ الفَاحِشَةِ عَلَى ابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، فَكَذلِكَ هُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَهَا، وَكَذلِكَ قَتْلُ النَّفْسِ، فَلَمَّا لَاقَتْ هَذِهِ الأُمُوْرُ بِالعَقْلِ، قَالَ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)} وَلَمَّا قَالَ فِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} وَالمَعْنَى: اذْكُرْ لَوْ هَلَكْتَ فَصَارَ وَلَدُكَ يَتِيْمًا، وَاذْكُرْ عِنْدَ وَرَثَتِكَ،


(١) الآية: ١٥١.