للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَسْعَى}، وَفِي الآيَةِ الأُخْرَى: (١) {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} فَرَأَيْتُ الفَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الرَّجُلِ وَتَأْخِيْرِهِ: أَنَّ ذِكْرَ الأَوْصَافِ قَبْلَ ذِكْرِ المَوْصُوفِ أَبْلغُ فِي المَدْحِ مِنْ تَقْدِيْمِ ذِكْرِهِ عَلَى وَصْفِهِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: الرَّئِيْسُ، الأَجَلُّ فُلَانٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا الَّذِي زِيْدَ فِي مَدْحِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ يَس، أَمَرَ بِالمَعْرُوفِ، وَأَعَانَ الرُّسُلَ، وَصَبَرَ عَلَى القَتْلِ، وَالآخَرُ إِنَّمَا حَذَّرَ مُوسَى مِنَ القَتْلِ، فَسَلِمَ مُوْسَى بِقَبُوْلِهِ مَشُوْرَتَهُ، فَالأَوَّلُ هُوَ الآمِرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ، وَالثَّانِي هُوَ نَاصِحُ الآمِرِ بِالمَعْرُوفِ، فَاسْتَحَقَّ الأَوَّلُ الزِّيَادَةَ. ثُمَّ تأَمَّلْتُ ذِكْرَ أَقْصَى المَدِيْنَةِ، فَإِذَا الرَّجُلَانِ جَاءَا مِنْ بُعْدٍ فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَتَقَاعَدَا لِبُعْدِ الطَّرِيْقِ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (٢) {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} قَالَ: المَعْنَى يَا لَيْتَهُمْ يَعْلَمُونَ بِأَيِّ شَيءٍ وَقَعَ غُفْرَانُهُ، وَالمَعْنَى: أَنَّهُ غَفَرَ لِي بِشَيءٍ يَسِيْرٍ فَعَلْتُهُ، لَا بِأَمْرٍ عَظِيْمٍ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (٣) {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} قَالَ: رُبَّمَا تَوَهَّمَ جَاهِلٌ أَنَّهُمْ لَمْ يُجَابُوا عَمَّا سَأَلُوا، وَلَيْسَ كَذلِكَ؛ فَإِنَّ الَّذِي سَأَلُوا لَا


(١) سورة القصص، الآية: ٢٠.
(٢) سورة يس.
(٣) سورة الدُّخان.