للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَزِيْرُ صِدْقٍ عَمَّ إِحْسَانُهُ … فَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى شُكْرِهِ

أبَّهَةُ المُلْكِ عَلَى وَجْهِهِ … وَخَشْيَةُ الرَّحْمَنِ فِي سِرِّهِ

يُرْبِي عَلَى الغَيْثِ نَدَى كَفِّهِ … وَنَائِلُ المَرْءِ عَلى قَدْرِهِ

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الوَزِيْرُ يَتَأَسَّفُ علَى مَا مَضَى مِنْ زَمَانِهِ، ويَنْدَمُ عَلَى مَا دَخَلَ فِيْهِ، ثُمَّ صَارَ يَسْأَلُ اللهَ عزَّ وَجَلَّ الشَّهَادَةَ، وَيَتَعَرَّضُ بِأَسْبَابِهَا.

وَكَانَ الوَزِيْرُ لَيْسَ بِهِ قَلَبَةٌ (١) فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوَلى سَنةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِمَائَةَ، وَنَامَ لَيْلَةَ الأَحَدِ فِي عَافِيَةٍ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتَ السَّحَرِ قَامَ، فَحَضَرَ طَبِيْبٌ كَانَ يَخْدِمُهُ، فَسَقَاهُ شَيْئًا، فَيُقَالُ: إِنَّهُ سَمَّهُ فَمَاتَ، وَسُقِيَ الطَّبِيْبُ بَعْدَهُ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ سُمًّا، فَكَانَ يَقُوْلُ: سُقِيْتَ كَمَا سَقَيْتُ، فَمَاتَ (٢). قَالَ: وَكُنْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ مَعَ انْشِقَاقِ الفَجْرِ وَالوَزِيْرُ كَأَنَّهُ فِي دَارِهِ، وَدَخَلَ رَجُلٌ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ فَضَرَبَهُ بِهَا، فَخَرَجَ الدَّمُ كَالفَوَّارِ فَضَرَبَ الحَائِطَ، وَرَأَيْتُ هُنَاكَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُلْقًى، فَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ أَخْبَرْتُ مَنْ مَعِي بِالحَدِيْثِ، فَمَا استَتْمَمْتُهُ حَتَّى جَاءَ الخَبَرُ بِمَوْتِ الوَزِيْرِ، وَنَفَذَ إِلَيَّ مِنْ


(١) جَاءَ فِي اللِّسَانِ (قَلَبَ): "مَا بِالعَلِيْلِ قَلَبَةٌ، أَيْ: مَا بِهِ شَيْءٌ، لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ، قَالَ الفَرَّاءُ: هُوَ مَأْخُوْذٌ مِنَ القُلَابِ، دَاءٌ يَأْخُذُ الإِبِلَ فِي رُؤُوْسِهَا فَيَقْلِبُهَا إِلَى فَوْقَ، قَالَ النَّمِرُ:
أَوْدَى الشَّبَابُ وَحُبُّ الخَالَةِ الخَلَبَهْ … وَقَدْ بَرِئْتُ فَمَا بِالقَلْبِ مِنْ قَلَبَهْ
أَيْ: بَرِئْتُ مِنْ دَاءِ الحُبِّ. قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: مَعْنَاهُ: لَيْسَ بِهِ عِلَّةٌ يُقَلَّبُ لَهَا فَيُنْظَرُ إِلَيْهِ .. ".
(٢) كَذلِكَ الخَلِيْفَةُ المُسْتَنْجِدُ مَاتَ مَسمُومًا سَمَّهُ مَمْلُوكُهُ قَايْمَاز المُسْتَنْجِدِيُّ، فَهَلْ كَانَ الخَلِيْفَةُ عَلَى عِلْمٍ بِسَمِّ وَزِيْرِهِ عَوْنِ الدِّيْنِ؟! وَهَلْ كَانَ ابْنُ رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ ابنُ المُسْلِمَةِ أُسْتَاذُ دَارِ الخِلَافَةِ وَرَاءَ ذلِكَ كُلِّه؟! يَبْدُو ذلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ.