للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الهداية وأصل التقوى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان، وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل].

وهداية التوفيق والتسديد والإلهام هي أن يقبل المرء الحق ويرضى به، وهذا لا يقدر عليه إلا الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦]، وقال: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة:٢٧٢]، وقال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف:١٨٦]، وقال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧] إلى غير ذلك من الآيات].

ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه والدلالة عليه والإرشاد إليه، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢].

وقال: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:٧]، وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧]، وقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:١٠] على تفسير من قال: المراد بهما الخير والشر وهو الأرجح، والله أعلم.

وأصل التقوى: التوقي مما يكره؛ لأن أصلها (وقوى) من الوقاية، قال النابغة: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد].

والنصيف: الخمار على رأسها.

والشاهد قوله: (واتقتنا)، أي: لما سقط نصيفها جعلت يدها وقاية تسترها عن الرجال.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الآخر: فألقت قناعاً دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم].

الشاهد قوله: (واتقت)، وأن التقوى معناها الوقاية، وهي أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء ساتراً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟! قال: بلى.

قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت.

قال: فذلك التقوى].

هذا هو الطريق الحسي، وذاك الطريق المعنوي، فكما أن الإنسان في الطريق الحسي يتوقى الشوك، فكذلك هنا في الطريق المعنوي -الذي هو الصراط المستقيم- يتوقى الشرك والمعاصي.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال: خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى] يعني: لا تحتقر المعاصي؛ فإنها تتجمع حتى تهلك الإنسان، فالجبل أصله الحصى تجمعت حتى صارت جبلاً، فكذلك المعاصي تتجمع حتى تهلك الإنسان.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأنشد أبو الدرداء يوماً: يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)].

في هذا الحديث لفظة: (نصحته) والظاهر: (حفظته في نفسها وماله)، وهذا هو الأقرب، والحديث يدل على هذا، قال الشيخ مقبل في تخريجه: رواه ابن ماجه، وفي سنده علي بن يزيد، وهو الألهاني، متروك.

لكن معناه صحيح، فقد جاء ما يدل عليه، كقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:٣٤]، وقد جاء ما يدل على هذا المعنى في أحاديث أخرى.